السيسي منذ أن انقلب على المسار الديمقراطي، وأطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو العام 2013، وهو يعتبر نفسه الممثل الوحيد للشعب المصري، والناطق باسم الحكمة الإلهية، والفيلسوف الذي سينقذ العالم من الويلات، والدمار والإرهاب.
فلا يسمح لغيره أن يعارضه، حتى من الذين دعموه في انقلابه، ووقفوا معه، وانقلبوا على الديمقراطية قبل أن ينقلب هو بالدبابة، ظنا منهم أنه سيأتي بالخير لمصر وأهلها، ويسمح لهم بممارسة السياسة بالطريقة التي تعجبهم، والأسلوب الذي يرضيهم.
فلم يسلم العسكريون الذين عارضوه، أو المدنيون الذين ناقشوه، فالجميع وضعهم في سلة واحدة، طالما أنهم يختلفون حول سياساته وممارساته، ويُظهرون ذلك في العلن.
وبدأ هذا المسلسل بتهديد كل من يجاهر علانية بكشف عوراته أمام الناس، وعدم السير خلف حكمته ورؤيته! ولا يعي السيسي أن معارضته ليست هي الخطر عليه وعلى مصر كما يدّعي، بل استبداده هو الخطر على مصر والمنطقة برمتها.
فكان التعامل بالتهديد والوعيد للفريق شفيق الذي فكّر في الترشح ضده، من دولة الإمارات، فتمّ التعامل معه بطريقة الأفلام السينمائية، وترحيله إلى مصر، والضغط عليه لكي ينسحب من السباق الرئاسي.
وبطريقة مباشرة، تم سجن العقيد بالقوات المسلحة أحمد قنصوة ست سنوات مع الشغل والنفاذ لإعلانه الترشح في مواجهة السيسي.
وكانت المواجهة الكبرى مع الفريق عنان رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، بعد أن تجرّأ على الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وتم التعامل معه على أنه خارج على قانون المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتحويله إلى النيابة العسكرية مخطوفا من الشارع، وإيداعه في السجن الحربي، إلى أجل يعلمه الله.
ولم يكتف السيسي بذلك، بل تمّ التحفظ على أمواله وممتلكاته هو وأسرته في الثاني عشر من فبراير من عام 2018.
ويأتي القرار بعد ساعات من تصريحات أدلى بها نائبه المستشار هشام جنينة، قال فيها إن الفريق عنان يمتلك وثائق تكشف حقيقة الطرف الثالث بعد ثورة يناير، وما تبعها من أحداث، بما فيها تفاصيل عن عملية اغتيال مدير المخابرات العامة المصرية عمر سليمان.
ولم ينج المستشار جنينة من تكسير العظام التي يمارسها السيسي مع كل من يعارضه، إذ تم الاعتداء عليه وإهانته، وهو رجل القضاء المعروف، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا.
وأزاحه السيسي من هذا المنصب عقابا له على كشفه للفساد الذي تمارسه مؤسسات الدولة، خصوصا السيادية منها، وتم تحويله بالفعل إلى القضاء العسكري، وحبسه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيقات، بتهمة إشاعة أخبار كاذبة ضد قيادات القوات المسلحة.
وأتوقع أن يصدر ضده حكم لعقابه على محاولة كشفه لحقيقة الصراع داخل قيادات المجلس العسكري وفساده!
ناهيك عن كمّ البلاغات التي تُقدم بشكل دوري ضد البرادعي، وحمدين صباحي، وتهديد المهندس يحيى حسين عبد الهادي، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، باتصال هاتفي في منتصف الليل، واعتقال محمد القصاص نائب رئيس حزب مصر القوية، وأحد شباب ثورة 25 يناير.
وسيحاول السيسي وأجهزته تعقّب كل من تسول له نفسه الوقوف ضد طموحه للترشح لدورة ثانية، أو يجرأ على معارضته وتشويه سيرته!
وأخيرا يأتي مسلسل الهجوم على عبد المنعم أبو الفتوح، واعتقاله مساء الأربعاء ( 14-2-2018 ) مع ستة من أعضاء المكتب السياسي، وأُفرج عن الستة فيما بعد، واستمر اعتقال أبو الفتوح، جرّاء اللقاء الذي أجراه يوم الأحد الموافق ( 11 من فبراير 2018 ) على قناة الجزيرة مباشر، وهاجم فيه السيسي، وكشف عورته.
فإذا بالمحامي المُستأجر المدعو سمير صبري في اليوم التالي مباشرة وبسرعة خارقة يتقدم ببلاغ للنائب العام لمحاكمة أبو الفتوح، لأنه يهين الذات الإلهية لديهم، ومعبودهم السيسي، حيث اتهم أبو الفتوح بتعمد الإساءة للدولة المصرية ورئيسها ومجلس النواب متعمدًا نشر أخبار كاذبة، خلال ظهوره على شاشة الجزيرة، التي وصفها صبري بـ"القناة العميلة".
واستند صبري في بلاغه ضد أبو الفتوح إلى مقتطفات من تصريحاته التي قال فيها، بحسب البلاغ: "النظام انزعج من تحركات المعارضة خلال الفترة الأخيرة، النظام عصف برئيس منتخب واختطفه ووضعه في السجن والسيسي يحكم بمنطق يا أحكمكم يا أقتلكم، لم أترشح في السباق الرئاسي لقناعتي بعدم وجود انتخابات من الأساس".
وأشار المحامي المصري إلى تعمد أبو الفتوح نشر أخبار كاذبة والإساءة للقضاء المصري، والتشكيك في أحكامه، وما تضمنه من الاستقواء بالخارج، واستدعاؤه للتدخل في الشأن المصري، جرائم تستوجب التحقيق فيها وإحالة أبو الفتوح إلى المحاكمة الجنائية العاجلة.
والعجيب أنه قدّم حافظة مستندات تحتوي على أسطوانة مدمجة لحوار أبو الفتوح مع فضائية الجزيرة في اليوم التالي مباشرة، وهذا يعني أن الأمر مدبر له بليل، ولا أستبعد ملاحقة أبو الفتوح قضائيًا بحجج واهية!
وهذا المحامي الذي يعمل لصالح سلطة الانقلاب، وكأنه المبعوث الرسمي لها لتقديم البلاغات ضد العديد من المعارضين لنظام السيسي، خصوصا الذين يُعبرون عن آرائهم ومخالفتهم لسياسات السيسي وإجرامه في حق مصر، بظهورهم على القنوات الفضائية، وبشكل أخص على قناة الجزيرة.
حتى أنني لم أسلم منه في الثاني من سبتمبر في عام 2013، حيث قدّم ضدي بلاغا للنائب العام، لظهوري المتكرر على قناة الجزيرة، وهجومي على السيسي، ودعوة الشعب المصري للتظاهر ضده، بحسب زعمه.
وتم إدراجي في قضية غرفة عمليات رابعة، مع العلم أنني لم أحضر في اعتصام رابعة العدوية ولو لثانية، وكنت خارج مصر منذ الخامس والعشرين من تموز/ يوليو عام 2013.
هذه هي طبيعة النظم المستبدة التي تحكم بالحديد والنار، ولا تسمح لمخالفيها أن ينطقوا ببنت شفه، ضد سياساتهم التي ستودي بمصر وبالمنطقة كلها إلى المهالك.
والمستفيد الأول من ذلك هو العدو الصهيوني، الذي زرع السيسي في الجيش المصري منذ فترة.
وكما قال ابن خلدون (808ه) واصفا النظام الاستبدادي بقوله: "هو النظام الذي يتغلب فيه الحاكم بقوته على الشعب ويُسيّر فيه الأمور حسب هواه ورغباته، بلا قانون أو نظام يتم الرجوع إليه، بل النظام هو هوى الحاكم ورأيه ومصالحه، هو وبطانته، وهذا النظام هو أسوأ أنواع الأنظمة وأشدها ضررا على الشعوب والأمم".
أضف تعليقك