"قمل الحوت" يا سادة حشرات طفيلية تجدها تتبع الحوت أينما ذهب وتتغذى على مخلفاته، ولا يوجد حوت إلا ويتبعه قمل وكأنه موكب تشريف له.
"كلب الحمار" يعرفه أهل مصر القديمة التي انتشرت فيها العربات الكارو وكان «العربجي» الذي يقود الحمار والعربة مشهورا بعبارة يحث بها الحمار على الإسراع فيهتف قائلا بصوت غاضب «شييي يا حمار يا بتاع الكلب»، ولم يكن «العربجي» متجنيا على الحمار بوصفه بتاع الكلب، فقد كان كل حمار يسير في الشارع يتبعه كلب كظله وكأنه نديمه أو حارسه أو عاشقه!!!
والحقيقة أن مضمون المحتوى ما بين قمل الحوت وكلب الحمار لا يقتصر على مشهدي الحوت والحمار وإنما شمل مشاهد كثيرة لهؤلاء الذين يتبعون ما يرون فيهم أولياء أنعامهم وأسيادهم، وبينما في فترة كان السيد مثل الحوت الذي قد يتشرف القمل بالسير وراءه كالذاكر العابد الممتن، إلا أنه مع التطور السياسي إلى أسفل الذي شهدته مصر تحول الحوت إلى حمار والقمل عديم الحيلة المكتفي بمخلفات الحوت كقوت ليومه إلى كلب شرس ينبح على أعداء سيده الحمار.
وكلاب الحمير وقمل الحوت كثر وأكثرهم وضوحا من الإعلاميين وقبل ظهور الإعلام كشكل منظم كان الأكثر تميزا في هذا المجال هم الشعراء، وبالطبع لا ننسى رجال السياسة التي كانت المصلحة هي بوصلتهم الرئيسية في تحديد مسار الحوت أو خط سير الحمار. المصلحة السياسية فوق مصلحة الشعوب
المصلحة السياسية أو مصلحة المجموعة السياسية اللحظية ليست لها علاقة بمصالح الشعوب والأمم ولنا في هذا الموضوع أمثلة كثيرة:
في عام 1962 كان الشيوعيون يقضون عامهم الثالث في سجون عبد الناصر وأصدر «ناصر» سلسة من القرارات الاشتراكية، وجدها بعض المجموعات اليسارية في السجون فرصة للتوافق والالتقاء مع النظام قد تؤدي إلى فك أسرهم، رغم أن كل التحليلات الاقتصادية الاشتراكية كانت تؤكد أن هذه القرارات تحمل الظاهر الاشتراكي ومضمونها لم يخرج في أحسن أحواله عن كونها تعبير عن رأسمالية دولة، واتبعت هذه المجموعات الحوت في كل قراراته كالقمل إلا من قلة باءت بغضب عظيم من زملائهم والنظام وظلوا قابضين على موقفهم، وأيضا في الأزمة التي حدثت بين الملك فاروق وحزب الوفد برئاسة مصطفى النحاس باشا والتي انحاز فيها الشعب للنحاس وخرج يهتف «الشعب مع النحاس» وجدها قادة جماعة الإخوان فرصة للتقرب من الملك وتعزيز موقف جماعتهم، فخرجوا في مظاهرات رفعوا فيها شعار ابتزازي ديني قالوا فيه «الله مع الملك»!! وفي 29 أغسطس/آب 1942 خرجت مجلة الإخوان المسلمين وعلى غلافها صورة الملك فاروق وفي يده «سبحة»، وبعدها قالت نفس المجلة في افتتاحية أحد أعدادها متحدية غضب الشعب على الملك «أن عيد الملك هو عيد الشعب... وأن هذا الشعب قد أحب مليكه كما لم يحب أحداً من قبل»... وهنا دفعت المصلحة السياسية الجماعة للسير وراء الحوت الملكي كالقمل الذي يبحث عن الفائدة.
وتتغير الأزمان وينقلب الحوت إلى حمار ويتحول القمل من تابع يبحث عن مصلحته إلى كلب شرس يهاجم أعداء حماره ويبرر لحموريته ويمتدحها مدح العاشق لمعشوقته. المبرراتي
بعد نكسة 1967 ذاق الشعب المصري مرارة الهزيمة وتأثر بها، ولهذا ظهرت أصوات تطالب بمواجهة شعبية للعصابات الصهيونية يشارك فيها الشعب بكل إمكاناته على غرار الحرب الشعبية في فيتنام والتي قضت على الأسطورة العسكرية الأميركية، ورغم مرارة الهزيمة إلا أنها لم تنس النظام الحاكم مصالحه التي ترى في تسليح الشعب خطورة على وجوده، فالأنظمة غير الشعبية تكره مشاركة الشعوب في الحكم وهنا ظهر قمل الحوت أو كلب الحمار على هيئة كاتب اشتهر بصفة "المبرراتي" في مقالات أسبوعية خطأ دعاوى الشعب بالمواجهة الشعبية مع الصهيونية مستندا على اختلاف جغرافية مصر عن جغرافية فيتنام التي تنتشر فيها الغابات التي ساعدت على المواجهة الشعبية!! وبالطبع كانت مبررات تتعارض مع المفاهيم العلمية للحرب الشعبية، إلا أن الغرض كان بوضوح إبعاد الشعب عن مواجهة العدو وترك الأمر لأولي الأمر الذي يتحكم فيهم مصالح الحكم أكثر من مصالح الشعوب.
وانتهت المواجهات النظامية مع العدو الصهيوني بلقاء كامب ديفيد واتفاقية السلام مع إسرائيل وخرج الشعب غاضبا، وهنا ظهر دور كلب الحمار مرة أخرى ليخدع الرأي العام وإيهامه بأن الاتفاقية ستستعيد كافة الأراضي المحتلة، وتعيد السيادة المصرية على المنطقة، وأخفى إعلام الكلاب كافة البنود السرية التي تضمنتها الاتفاقية، والتي كانت مقدمة لمشروع صهيو أمريكي طويل المدى نتمم فصوله الأخيرة الآن ويهدف إلى هيمنة الصهيونية الأمريكية على الشرق الأوسط، واستخدم كلاب الإعلام كل الوسائل آنذاك من خداع القلم إلى ترويع الكتاب الشرفاء حتى أن رئيس تحرير صحيفة حكومية جمع المعارضين للاتفاقية من الصحفيين وقال لهم لا أريدكم أن تؤيدوا الاتفاقية أريدكم أن تحبوا الاتفاقية!!!! ياللجبروت والطغيان. أكلة كل الموائد
كلاب الحمار أو قمل الحوت الآن هم نفس الكلاب والقمل على مر العديد من الأزمنة وهم أكلة كل الموائد وهم بهاليل السلطان وندماؤه أصحاب الحيل الدنيئة في خداع الشعوب، وهم أصحاب كل الأنشطة الفاسدة على مستوى دولي تجاوز لعق حذاء الطاغية المحلي إلى لحس أحذية طغاة حكام الدول المحيطة والنفخ في ذواتهم واللعب على حجورهم... عندما تخيل القذافي نفسه مفكرا وأصدر الكتاب الأخضر الذي كان يحمل أفكارا مختلة حول نظرية جديدة لحكم العالم استقبله حملة المباخر من قمل الحوت في مصر وامتدحوه باعتباره مصدرا للرزق الوفير أرسلته لهم العناية الإلهية حتى أن رئيس اتحاد كتاب مصر وهو الصحفي المشهور والذي أصبح فيما بعد رئيسا لتحرير إصدار صحفي يصدر بلغة أجنبية أعلن في حضرة «القذافى» أن كل فقرة في الكتاب الأخضر كفيلة بأن تناقش على مر الزمان!!!، كما قامت قملة أخرى أو إعلامي آخر بلعب دور السمسار الذي يجذب كلاب الإعلام وقمل الحوت لمدح الكتاب وتحولت كلمات القذافي العبثية إلى مقولات وحكم في صحف مصرية منها صحف أيدولوجية، ونفس الأمر حدث مع صدام حسين في العراق وكان القمل يذهب في رحلات تجارية لمدح صدام ويعود محملا بالعطايا من مخلفات النظام العراقي.
ولم يرحم القمل حتى القضية الفلسطينية وتربح من فتات ميزانية منظمة التحرير الفلسطينية وكانت ميزانيتها كبيرة ووقف أحد الكتاب يبكي أمام ياسر عرفات قائلا: "تمنيت من كل قلبي أن أكون فلسطينيا ولست مصريا"!!
روايات القمل والكتاب كثيرة... ولكن الحقيقة المفزعة أنه نفس القمل الموجود الآن ونفس الكلاب التي تتبع نظام الطغيان المصري ولهذا لا تتعجب عندما يقف إعلامي ويطالب بإعدام من يدافع عن مصرية تيران وصنافير أو تشاهد كلابا يلقون اتهام الخيانة تجاه الوطنيين الذين يستفسرون عن مغزى الحروب والعمليات العسكرية تجاه إرهاب غامض الهوية أصبح ذريعة للبطش والفاشية والفساد... إنهم قمل الحوت وكلاب الحمار الذين لن ينتهي وجودهم إلا في ظل حكم ثوري شعبي لا توجد فيه حيتان ولا حمير.
أضف تعليقك