• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

نقاشات وأسئلة كثيرة تدور حول معنى مصطلح "صفقة القرن" الذي أطلقه كل من دونالد ترمب الرئيس الأمريكي إبان حملته الانتخابية، ثم كرره عبد الفتاح السيسي مع ترمب في زيارته لواشنطن أبريل الماضي، وتكرر ذكره بعد ذلك في الإعلام مقترنا بكثير من الأحداث التي تتعلق بالشأن الفلسطيني والدول الفاعلة في القضية الفلسطينية كالأردن ومصر والسعودية، باعتبار أن صفقة القرن تتعلق بالقضية الفلسطينية التي تعد قضية القرن الماضي الممتدة إلى وقتنا الحالي، ومعضلة الشرق الأوسط السياسية بشكل رئيسي، وربما تكون محورا لأهم الصراعات فيه بشكل مباشر وغير مباشر.

وعلى الرغم من أن كثيرا من النقاشات تنصب حول محاولة فهم تفاصيل ودقائق هذا المصطلح وما يعنيه بالكلية، وما النتائج العملية المتوقعة للسيناريوهات التي تدور حوله، إلا أن ثمة نقاشات أخرى تنكر بالكلية وجود ما يسمى بـ"صفقة القرن" على المستوى العملي، وأن هذا المصطح لا يعني شيئا واقعيا أو عمليا، معززين فكرتهم بأن الأفكار الرئيسية أو الخط العام لهذا المصطلح فيما يتم تداوله يدور حول فكرة تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل؛ بحيث تحصل مصر على مساحة من صحراء النقب مقابل أن تحصل إسرائيل على مساحة من سيناء ليُنقل إليها أهل غزة، وهي الخطة المعروفة باسم "جيورا آيلاند"، هي فكرة مستحيلة التطبيق، نظرا للكثافة العددية الضخمة لأهالي غزة البالغة قرابة 2 مليون ساكن، فضلا عن الاستحالة الواقعية لفكرة استبدال أرض مقابل أرض بين إسرائيل ومصر.

وفي حقيقة الأمر، فإن لهذا الطرح وجاهته وأنا أتفق معه تماما، ولكن وجه اتفاقي معه لا ينبعث أو ينطلق من فكرة عدم وجود "صفقة قرن نهائيا"، وإن كنت أتمنى ذلك، لأن ذلك يعني هزيمة لنا ويعني انتقاصا وضياعا أكثر، ومن ثم فإن تفسيري ورؤيتي القادمة لمصطلح صفقة القرن أو اجتهادي مع غيري في فهم تفاصيله لا يعني الرغبة بأن هناك أمنية أن يتحقق لمجرد إثبات وجهة نظر.

برأيي أن مصطلح "صفقة القرن" لم يكن قولا دعائيا من دونالد ترمب على الرغم من سقطات ومبالغات الرجل العديدة، فالقضية الفلسطينية كانت دائما صداعا في رأس أية إدارة أمريكية، ولم يجرؤ أحد منذ أوسلوا 93 أن يأخذ قرارات جريئة أو محورية فيها إلى أن جاء هو وأقر بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليكون اعترافا من أكبر دولة في العالم بأن القدس هي عاصمة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي خطوة تأتي في إطار مغازلات ووعود من ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن يكون حل القضية الفلسطينية على يده.

هذا الأمر هو أحد أول الشواهد التي يقدمها مطلق المصطلح بأن القادم في فلسطين لن يكون كسابقه، وهو الأمر الذي يعززه تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية في صورة ترسيم حدودي، وهو الأمر الذي كان طلبا إسرائيليا من السعودية بالأساس، وبموجبه تسلم مؤخرا الجنود السعوديون مهام الجنود المصريين على جزيرة تيران الاستراتيجية في البحر الأحمر، وهو أمر لا يخفى على أحد أنه سيعيد ترتيب التوازنات في هذه المنطقة وسيجعل الممر الاستراتيجي ممرا دوليا لا أحد يملك السيطرة عليه، ويجعل السعودية بأثر رجعي طرفا فاعلا في الاتفاقيات المنظمة لإدارة المنطقة بين مصر وإسرائيل وبراقبة القوات الدولية أو متعددة الجنسيات التي بقيت على الجزيرة أيضا. وهو ما يأتي في سياق التقارب والانفتاح السعودي على إسرائيل مؤخرا، وفي سياق الشكوى الأردنية من تخلي السعودية عن التزامات لها صوب القدس والمقدسات عن طريق تخفيض المساعدات المادية المرسلة للأردن بوصفها المشرف على المقدسات في فلسطين.

في هذا الإطار وقبل نحو 4 سنوات، بدأت خطة من السيسي بإخلاء المناطق الحدودية في شمال سيناء بداية من رفح والشيخ زويد، وهو الأمر الذي تم بنجاعة بالغة تحت زعم محاربة الإرهاب، بينما نحن الآن نرى تنفيذ طلب السيسي بإقامة منطقة عازلة لقرابة مساحة 25 كيلو حول مطار العريش الذي استهدف فيه مؤخرا كل من وزير الدفاع ووزير الداخلية المصريين. هو ما يعني استمرارا في تفريغ مناطق شمال سيناء الحدودية من أهلها بشكل رسمي، وبحجج تبدو منطقية لا سيما في ظل الحملة العسكرية الضخمة التي يشنها الجيش المصري على سيناء دون معرفة تفاصيل دقيقة عنها، سوا أنها لمحاربة العناصر الإرهابية في إطار "المجابهة الشاملة".

كل هذه الشواهد تدفعنا للقول بأن رغبة إسرائيل في التطبيع مع العرب والتداخل معهم ودفعهم للإقرار بالأمر الواقع في قضايا كالقدس أو التطبيع الشامل معها ما هي إلا مقدمات لشيء أكبر وليس فقط مجرد محاولات عابرة.

أما فيما يتعلق بمسألة تبادل الأراضي، فحقيقة الأمر أنه لا يوجد لدى أحد التفاصيل الدقيقة لأمر هذه الصفقة أو جدولها الزمني، ومن ثم فلا أحد ممن يتروى في تتبع الأمور يقول إن الأمر سيتم كالمقايضة قديما أو بهذا الشكل العلني، بل ربما يكون عبر حرب على غزة يتم السعي فيها للقضاء على حماس ودفع مجموعة كبيرة من السكان تحت وقع الضرب والحصار للهروب إلى مصر جبرا وقهرا، يتم استقبالهم في خطوة أولى لتوطين أكبر عدد منهم، ثم انتظار لحظات أخرى لدفع أهالي غزة نحو سيناء، لا سيما مع تخفيض خدمات وكالة الأنروا في غزة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ميزانيتها بسبب قطع الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات بقيمة 65 مليون دولار عنها، الأمر الذي يفتح الباب أمام توطين أو اضطرار فلسطينيين للهرب إلى سيناء في ظل الحصار والوضع الإنساني المتفاقم.

لذا، فخلاصة القول هي أن الشواهد على وجود صفقة للقرن ذات أبعاد تطبيعية سياسية واقتصادية وتغيرات جغرافية وجيو-سياسية ماثلة أمامنا تجعلنا نتشكك ونبحث بجد عن تفاصيل أوسع حول مسألة خطط التوطين والتهجير والحرب على غزة تحديدا، لأجل محاولة استكمال تفاصيل مشهد التغيرات هذا والذي لن يشمل غزة فقط، بل سينال الضفة الغربية، لأن الجدل ليس حول الفكرة التي هي في عقل ورأس قادة إسرائيليين كثر سابقين وحإليين، بل حول طريقة الإخراج لها والمدى الزمني لتنفيذ الأمر، ولعل من المفيد هنا تذكر كيف تسللت العصابات والمجموعات الصهيونية بشكل ناعم في بداية قدومهم إلى فلسطين ليتسببوا بعد أقل من 50 عاما تقريبا في النكبة.

أضف تعليقك