• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: أحمد مولانا

"كل هجوم يفقد زخمه مع الوقت"

(كلاوزفيتز)

أعلن الجيش المصري يوم 9/2/2018 تدشين حملة عسكرية شاملة من ضمن أهدافها القضاء على الجماعات المسلحة في سيناء، مما طرح تساؤلات مهمة عن مدى قدرة الجيش على تحقيق هذا الهدف الذي فشل فيه عبر السنوات الماضية.

ونظرا لأن الوضع في سيناء وفقا للتصنيفات العلمية الأمنية والعسكرية يندرج تحت تصنيف التمرد، فسأعتمد في تحليل المشهد السيناوي على عقيدة مكافحة التمرد الأمريكية الصادرة عام 2009 بعنوان "دليل الحكومة الأمريكية لمكافحة التمرد"، وعلى دليل الميدان لمكافحة التمرد الخاص بالجيش الأميركي ومشاة البحرية الصادر عام 2006.

تعريفات ضرورية ومفاهيم أساسية

يُعَرّف دليل الحكومة الأمريكية التمرد بأنه "الاستخدام المنظم للتخريب والعنف للاستيلاء على أو تقويض أو تحدي السيطرة السياسية على منطقة ما"، أي إن التمرد في المقام الأول صراع سياسي يستخدم فيه الطرفان القوة المسلحة لإفساح مجال يتيح لهما تفعيل نفوذهما.

لا يشترط لاندلاع التمرد أن تقوم به أعداد كبيرة، إذ يوضح دليل الميدان الأميركي أنه "يمكن لحفنة صغيرة من المتمردين تتوافر لديها دوافع قوية، وأسلحة بسيطة، وقدرة على تأمين العمليات، وقابلية محدودة للحركة أن تقوض الأمن في مناطق شاسعة". ويلفت دليل الحكومة الأمريكية النظر إلى أنه يكفي لاشتعال التمرد أن يحظى بدعم أقلية صغيرة من السكان بالتوازي مع إذعان (عدم اعتراض) بقية السكان الآخرين. ويؤكد أن متطلبات نجاح التمرد من قيادة كاريزمية ومجندين وأنصار وإمدادات وملاذات آمنة وتمويل تتحقق على أفضل وجه عندما يستند المتمردون على قضية سياسية جذابة تنجح في توظيف الهوية الدينية أو القبلية أو المحلية، والمظالم المجتمعية المنتشرة، واحتياجات السكان.

أما مكافحة التمرد فهى عبارة عن "مزيج من الجهود المدنية والعسكرية الشاملة التي تهدف إلى احتواء التمرد ومعالجة أسبابه الجذرية في آن واحد". وتسعى استراتيجيات مكافحة التمرد لترسيخ شرعية الحكومة المتضررة عبر تبني الإصلاح السياسي، وتعزيز سيادة القانون، وزيادة التنمية الاقتصادية، ومعالجة المظالم  المجتمعية، بالتوازي مع استخدام الأنشطة الأمنية والعسكرية لتدمير أو احتواء أو تهميش أو استقطاب المتمردين.    

مقاربات مكافحة التمرد

ينص دليل الحكومة الأمريكية على وجود نهجين أساسيين لمكافحة التمرد:

النهج المتمحور حول العدو: يركز أنشطته على المنظمات المتمردة، ويعتبر أن هزيمة العدو مهمة أساسية والأنشطة الأخرى بمثابة جهود داعمة.

النهج المتمحور حول السكان: يعتبر هذا النهج أن العمل العسكري ضد المتمردين لا يمثل مركز الثقل رغم أهميته، ويفترض بدلا من ذلك أن مركز الثقل يتمثل في علاقة الحكومة مع السكان، فيحرص على اكتساب ثقتهم ودعمهم.

ويؤكد الدليل المذكور أن النهج المتمحور حول العدو قد يكون فعالا ضد التمرد البسيط الذي  يقوده أو يتحكم فيه مركزيا شخص كاريزمي أو قوي. في حين تظهر التجربة التاريخية أن النهج الذي يركز على السكان يحوز فرصا أكبر للنجاح في مواجهة التمردات المعقدة غير الهرمية.

تطور الأحداث بسيناء وفشل المعالجات الأمنية

بدأت الأحداث في سيناء إثر اشتعال انتفاضة الأقصى ثم غزو العراق عام 2003، إذ نجح طبيب الأسنان خالد مساعد في الاستفادة من الروابط العائلية والقبلية في تأسيس تنظيم جهادي محدود استهدف بعملياته السياح الإسرائيليين ورعايا الدول الأجنبية المشاركة في غزو العراق. وبدأ التنظيم أولى عملياته عام 2004 بتفجير فندق بمدينة طابا ومخيمين سياحيين بمدينة نويبع، وتبع ذلك تنفيذ هجمات في العامين التاليين بمدينتي شرم الشيخ وذهب. بالمقابل نفذت الأجهزة الأمنية حملات اعتقال عشوائية واسعة شملت 3000  شخص بمحافظة شمال سيناء عقب تفجيرات طابا ونويبع وفقا لتقرير أصدرته منظمة هيومان رايتس واتش عام 2005  بعنوان " and torture in Sinai  Mass arrests".

خلال الفترة من 2007 إلى يناير 2011 شهدت سيناء حالة من الهدوء الخادع، وأدت الإجراءات الأمنية القمعية إلى حدوث عكس المقصود منها، إذ تعرف المعتقلون من أبناء سيناء في سجون مبارك على العناصر الجهادية المخضرمة من المحافظات الأخرى، فتوثقت بينهم العلاقات وتم تبادل الخبرات، ومن ثم نجح المعتقلون المفرج عنهم قبيل ثورة يناير -مثل توفيق فريج ومحمد النخلاوي- في تأسيس نواة تنظيم جديد اشتهر لاحقا باسم أنصار بيت المقدس. وعقب اندلاع ثورات الربيع العربي نجح التنظيم في الاستفادة من انتعاش التيار الجهادي بخروج عناصره من المعتقلات، ووصوله  إلى مخازن أسلحة القذافي، فضم إلى صفوفه عناصر جهادية من الوادي بل ومن خارج مصر، كما امتلك أسلحة نوعية من قبيل الصواريخ المضادة للطائرات وصواريخ الجراد والكاتيوشا ومدافع الهاون.

بدأ التنظيم أولى عملياته ضد أهداف إسرائيلية عام 2011 ولم يدخل في مواجهات مع الجيش والشرطة سوى بعد الانقلاب، وحينئذ اعتمد التنظيم إستراتيجية تقوم على التصعيد المتدرج للعمليات من أجل إنهاك قوات الأمن وتحطيم معنوياتها، بدءا من شن الهجمات البسيطة مثل اغتيال عناصر الأمن وصولا إلى العمليات المعقدة مثل اقتحام  حواجز الجيش والسيطرة عليها، كما استهدف المصالح الاقتصادية للنظام مثل خط الغاز الواصل إلى مصانع الأسمنت التابعة للقوات المسلحة والسياح الأجانب.

مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية

بايع أنصار بيت المقدس تنظيم الدولة الإسلامية في نوفمبر 2014، وتغير اسمه إلى ولاية سيناء، ونجح في تحويل أرض المناجاة إلى ساحة عمليات عسكرية وأمنية يومية طاحنة، تُستخدم فيها العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وأسلحة القنص والصواريخ المضادة للطائرات وللمدرعات.

انعكست المبايعة على إستراتيجية التنظيم، فتحول من نمط دفع الصائل إلى السعي لإقامة إمارة، فحرص على إبراز مظاهر السيادة على الأرض، وأعلن عن تشكيله لشرطة حسبة تطارد مهربي المخدرات وتصادر الممنوعات وتقيم الحدود الشرعية، كما قام بتوزيع مساعدات عينية على الأهالي في مناطق نفوذه، وحاول السيطرة على مدينة الشيخ زويد في هجوم ضخم في يونيو 2015، وسعى للتمدد البطيء والخروج من الحيز الجغرافي المحدود في رفح والشيخ زويد والعريش، فبدأ في شن هجمات ببئر العبد فضلا عن الحسنة والقصيمة بوسط سيناء.

 

إستراتيجية الجيش المصري في سيناء

نظرا لضعف القبضة الأمنية داخل سيناء عقب الثورة، والحيطة والحذر من قبل العناصر الجهادية، لم تتوفر معلومات كافية للأجهزة الأمنية عن بنية الجماعات المسلحة وهيكلها التنظيمي، وظلت قوات الجيش والشرطة تتلقى الضربات المتتالية والمتصاعدة دون القدرة على الرد الفعال، فلجأت للممارسات القمعية المعتادة من قبيل شن الحملات العسكرية والأمنية الموسعة والتي يتخللها هدم وحرق بيوت المشتبه فيهم، وتجريف المزارع وقطع الأشجار وهدم آبار المياه، بالإضافة إلى التوسع في الاعتقال، وإطلاق النيران عشوائيا من الارتكازات الأمنية والدوريات على أي تحركات مشبوهة، وصولا  إلى تهجير المواطنين من مدينة رفح لإقامة منطقة حدودية عازلة، فضلا عن تنفيذ غارات جوية وقصف مدفعي تجاه مناطق نفوذ المسلحين، وأخيرا التصفيات الجسدية خارج نطاق القانون، مما زاد من غضب الأهالي تجاه الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية.

هذه الإستراتيجية التي يتبعها الجيش المصري تخالف أبجديات الاستراتيجيات الناجحة لمكافحة التمرد التي تنص على أن "الحفاظ على أرواح المدنيين وكرامتهم أمر حيوي"، وأنه "لابد أن يشعر المواطنون بالحماية لا بالتهديد من قِبل الإجراءات والعمليات التي تقوم بها قوات مكافحة التمرد"، وأنه "إذا أمكن للمتمردين استثارة إجراءات حكومية مفرطة ضد السكان، فإن الموت أو الإصابة أو سوء المعاملة أو الإهانة ستصبح حوافز قوية لاتخاذ إجراءات انتقامية ضد الحكومة". وهو ما حدث بالفعل وأدى لتعقد المشهد وتأججه.

 

هل تنجح حملة الجيش الأخيرة في سيناء؟

يحيط نظام السيسي الحملة العسكرية الأخيرة بدعاية واسعة، ويرفع سقف التوقعات المنتظرة منها، في حين أن الإجراءات العسكرية وحدها لا تكفي لفرض السيطرة على ساحة كسيناء، فوفقا لدليل الحكومة الأمريكية "عادة ما يتواءم  المتمردون مع التدابير الحكومية المضادة التي تمثل ضغطا شديدا عليهم، فيلجئون للهدوء من خلال تقليص النشاط والاختباء في الأماكن الوعرة التي يتعذر الوصول إليها، أو التخفي بين السكان ثم يظهرون لاحقا لمواصلة القتال".

أي إن هذه الحملة قد تحقق نجاحات قصيرة المدى، ولكن على المدى الطويل ستفشل في تحقيق أهدافها، لأن سياسة العقاب الجماعي والأرض المحروقة لا تجلب سوى خصومة السكان وكراهيتهم وتوفر الدعم الشعبي للمسلحين، فضلا عن إمعانها في القضاء على البقية الباقية من شرعية الجيش الذي اقتصر دوره منذ الانقلاب العسكري على البطش والتنكيل بالمصريين وارتكاب المجازر الجماعية بحقهم.

أضف تعليقك