حزينا وموجعا كان رحيلك يا أحمد، إنه حزين وموجع رغم يقيننا بأنه كان قادمًا لا محالة، وأنه أقرب إلينا من رصاص الغزاة، ومن خيانة العملاء، ومن قهر المرحلة.
حزننا أن الضفة المستباحة لم تطوّقك بذراعيها كما ينبغي أن تفعل مع زينة الفتيان، ليس لأنها لا تحبك، فقد بكت عليك كما تبكي أي أمِّ أبناءها، بل لأنها تعيش مرحلة بائسة .
في زمن العقوبات الجماعية، وهدم البيوت، وفي زمن كان يمكن لكل من يؤويك أو يساعدك أن يغيب في الأسر لسنوات طويلة؛ كان لا بد أن يتردد كثيرون في الأمر (احتضنك غير واحد رغم ذلك، فهُدمت بيوتهم، وصاروا رهن الاعتقال والتعذيب)، لا سيما أن كشف كل شيء هو الاحتمال المرجح، فهنا في الأرجاء يعشش العملاء، والمساحة محدودة، والكاميرات منصوبة.
لأجل ذلك كله كانت روعتك يا أحمد جرار، وهذا سر حضورك البهيِّ وعمق تأثيرك في كل عربي ومسلم وحرٍّ شاهد ابتسامتك الساحرة، وجمال وجهك، وتحدي قسماته للغزاة في آن.
نعم، لأجل ذلك كانت روعتك وعمق تأثيرك، فقد جئت في الزمن الصعب، بل الأصعب . تمردت على ذلك، وألقيت بالدنيا وسحرها وراء ظهرك، وحملت بندقيتك، وما تيسر من رصاصات كي تواجه دولة هي الأقوى في الشرق الأوسط؛ على كل الأصعدة العسكرية والأمنية والتكنولوجية.
ها أنت تتحول إلى أيقونة، وأنت لم تقتل من الغزاة سوى مستوطن واحد، بينما قتل كثيرون قبلك أكثر من ذلك ولم يحظوا بمثل مكانتك، والسبب هو أنك جئت في الزمن الأصعب، وقد شعر الغزاة بذلك، وما عشرات التقارير والمقالات التي كُتبت عن رمزيتك قبل استشهادك وبعد استشهادك سوى تأكيد على ذلك.
فعلوا ذلك لأنهم أدركوا أن ما فعلته كان أكبر من قتل مستوطن. لقد طرقت بساعديك “جدران الخزان”، وصرخت في برية الصمت، وفي وجه نتنياهو وليبرمان، بل بصقت في وجوههم جميعا، وأسمعت صرخاتك كل الأحرار. وسيأتي على إثرك كثيرون يحملون صورتك في قلوبهم، وصوتك في آذانهم، وصرختك في ضمائرهم، وسيغيّرون المسار، وسيثخنون في عدوهم بإذن الله.
سلام عليك وعلى أبيك الشهيد الذي أضاف لرمزيتك المزيد من الأبعاد، وعلى كل الشهداء إلى يوم الدين.
أضف تعليقك