سحرة العصر على خطى الجاهلية سائرون يجددون ذات المدرسة الإعلامية التي تعتمد على نفير الأبواق الصاخبة بالسخرية والاستهزاء والتحقير والتكذيب والهمز واللمز وإثارة الشبهات وبث الدعاية الكاذبة لقلب الحقائق وتشويه الشخصية وتسفيه المبادئ وخذلان الحق وتهوين قواه المعنوية لخلق حالة من الاضطراب والتفكك بالمجتمع.
وهذا سلفهم الوليد بن المغيرة قال لقومه عن النبي ﷺ بعد أن اختلفوا عليه أهو كاهن أم مجنون أم شاعر أم ساحر: (وما أنتم بقائلين في هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته)
فجلسوا بسبيل الناس يذكروا لهم أمره، وتولى أبو لهب كبر ذلك فكان يتبع رسول الله ﷺ ويقول لا تصدقوه فإنه صابئ كذاب.
وهذا النضر بن الحارث أُرسل في بعثة إعلامية إلى الحيرة للحصول على الإجازة في التضليل الإعلامي وكلما جلس محمد ﷺ مجلساً خلفه النضر قائلا: والله ما محمد بأحسن حديثاً مني ثم يحدثهم عن ملوك الفرس ورستم وأسفنديار بل واشترى قينات فكان لا يسمع برجلٍ مال للنبي إلا سلطهن عليه تطعمنه وتسقينه وتغنين له حتى لا يبقى له ميلٌ إلى الإسلام.
وهذا فرعون يريد أن يسحر شعبه ليقلب الحقائق فيتهم نبي الله موسى ﷺ باستغلال الدين وتبديله بل والإفساد في الأرض فقال:
(إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)
وسحرة هذا العصر ليس عندهم ضابط ولا رادع ولا وازع من ضمير أو إيمان أو وطنية أو شهامة أو شرف الخصومة، فيسلقون الأحرار بألسنة حداد بكل أنواع الأكاذيب والافتراءات والبهتان (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)
ويستمر في غيهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ.......أَذًى كَثِيرًا)
فالمشكلة الحقيقية ليست في طول اللسان ولا في فحش القول ولا في الأذى الكثير وإنما في الإنصات إليهم (فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) وترديد إشاعاتهم وأكاذيبهم دون تفكير وتأني (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ)
فالواجب علينا أن نظن بأنفسنا وإخواننا ومنهجنا خيرا ونري الله من أنفسنا خيرا (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا)
ونحسن في القول والعمل وفي السر والعلن ونأخذ بالأسباب ونبذل الجهد وسينقلب السحر على الساحر (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)
وحينها (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)
وسنة الله الغالبة أن السحر لا يبقى ولا يدوم وتأثيره مؤقت وغفلة الشعب إلى زوال والحقائق ظاهرة وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه فرعون وسحرته على ما أجرموا في حق شعوبهم (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)
أضف تعليقك