الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلي آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلي يوم الدين .
المحن والشدائد من سنن الله الباقية والقائمة علي خلقه وفي القلب منهم أصحاب الدعوات ، ذلك ليميز الله الخبيث من الطيب ( أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ٢:٣ العنكبوت
وللمحن والشدائد أسرار عظيمة لمن يتدبرها ويعقلها ، نتناول في هذه الرسالة سرا من أسرارها ، وعطاء من عطاياها ، ألا وهو ( متابعة الله وتربيته لنا ).
تدبر معي قول الحق _ تبارك وتعالى _ ( أفمن هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت ..) الرعد ٣٣ تجد أن الله يؤكد من خلالها متابعة الله ورعايته وتربيته لكل نفس خلقها. رعاية تستوجب من المؤمن أن يخر ساجداً لله تعالي، لأنه يستشعر من خلالها محبة الله له، وأنه – سبحانه- يريد أن يخلصه من ذنوبه وشهواته في الدنيا حتى يلقاه يوم القيامة نقيا كيوم ولدته أمه.
هذا ما يؤكده حديث رب العزة ( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة ما يعملها ، سقما في جسده ، أو إقتارا في رزقه ، أو مصيبة في ماله وولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإن بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه ) .
يا له من فضل عظيم يسوقه الله لنا من خلال المحن والشدائد لينبهنا حتى نعود إليه ، وليطهرنا وينقينا من ذنوبنا حتى نلقاه كيوم ولدتنا أمهاتنا .
يا لها من رحمة حانية ، يا لها من رعاية دائمة ، يا له من عطاءٍ جزيل ، تزول أمامه الدنيا بزخرفها ومتعها وشهواتها ، يا لها من تربية ورعاية شاملة ، كل ذلك للمؤمن ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا ، ولن يكون ذلك إلا للمؤمن) .
أما الشارد شرود البعير ، الساخط بقضاء الله وقدره ، فينطبق عليه قول الحق ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليه أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) الأنعام ٤٤ .
* أخي المبتلى: إذا وصلت إلى شفير القبر نقيا طاهرا فهذا أكبر عطاء إلهي .
واعلم أن الله يؤدبك بالمحن والشدائد والمصائب في الدنيا حتى تصل قبرك نقيا طاهرا.
فاستقبل محنتك وشدتك ومصيبتك بأنها أدوية من الله يعالج بها أمراضك الباطنة ، وشهواتك القاتلة ، وأعلم أن الله يسوقك إلى الجنة بالسلاسل ( عجب ربك من قومٍ يساقون إلي الجنة بالسلاسل ) .
* أخي المبتلى.. إذا كنت في ضغوط صعبة ، أو ابتلاء شديد وأنت تسير في طريق الله ، متمسكا بدينه وشريعته ، رافعا لواء الحق ، فاعلم أن الله يريد أن تكون في أعلي المقامات في الدنيا قبل الآخرة، ذلك هو القانون الإلهي وسنته الباقية والقائمة في خلقه، أكدها الإمام أحمد عندما سُئل أيُمَكّن المرء أم يبتلى؟ قال( لن يمكن حتى يُبتلى) ، ويؤكد صحة القانون سير الأنبياء والمصلحين من قبل .
* أخي المبتلى.. أختتم رسالتي هذه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كي تهون علينا المحن والشدائد والمصائب التي نتعرض لها ( أوذيتُ في الله وما أوذي أحد مثلي ، وخٍفتُ في الله ما خاف أحد مثلي ومضي علي ثلاثون يوما ما يدخل جوفي إلا ما يوارى به إقط بلال ) فهذا سيد الخلق وحبيب الحق ، وأعلم أن كل محنة في طياتها منحة وكل شدة في ورائها شَدة إلي الله .
أخي المبتلى.. تفاءل فأنت في معية الله وقبضته ، فهو - سبحانه - يربيك ويرعاك بهذه المحنة حتى تلقاه كيوم ولدته أمك .
فالله يحبك فأحبب قدره ، وراض عنك فأرض بقضائه ، وألجأ إليه بالتضرع وتقرب إليه بالطاعات - فرائضها ونوافلها - وأصبر الصبر الجميل فلا تشكوا إلا إلي الله وانتظر فرجه القريب ( ويقولون متى هو قل عسي أن يكون قريبا )
وادع الله معي ( اللهم إني أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بقضائك وترضي بعطائك وتشكر نعمائك وتصبر علي بلائك ) آمين ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم....
أضف تعليقك