في الخامس والعشرين من يناير، قبل سبع سنوات، شاركت جماعة الإخوان المسلمين الشعب المصري، بكل طوائفه، في إبداع أعظم ثورة شعبية في العصر الحديث، والتي أبهرت العالم بسلميتها وقوتها، وانصهار كل طوائف الشعب المصري في بوتقتها، وتقديم نموذج لأرقى سلوك ثوري حضاري، قوامه الإصرار على إزالة الحكم المستبد، وفي الوقت ذاته الحفاظ على الوطن، وترابه ومؤسساته ومقدراته ووحدة أبنائه، وتقديم حلم الشعب المصري في الحرية والعدالة الاجتماعية علي كل المصالح والجماعات والأحزاب والأيديولوجيات.
لقد كانت تلك الثورة هي ثورة الشعب المصري كله، بلا استثناء؛ حيث اختفت كل الشعارات، وارتفع شعار واحد؛ يهتف للحرية، ويطالب بالعدالة الاجتماعية، وظلَّل علم مصر رءوس الجميع، في مشهد أبهر العالم حتى عبَّر كثير من قادته عن تعلمهم من نموذج "يناير" وسلوك الشباب المصري فيها.
وكان نجاح هذه الثورة منقطع النظير؛ إذ استطاعت إسقاط رأس النظام القمعي المستبد خلال ثمانية عشر يومًا فقط، ولولا خيانة عسكر الانقلاب وتآمرهم على حلم الشعب المصري وانقلابهم على التجربة الديمقراطية الوليدة، واختطافهم أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وأول دستور يمنحه الشعب المصري لنفسه؛ لكان للثورة والوطن والشعب اليوم شأن آخر.
وقد ارتكب عسكر الانقلاب المجرمين أبشع المذابح الإجرامية في "رابعة" و"النهضة"؛ حيث أحرقوا جثث الشهداء وجرفوها بالجرافات، وأجهزوا على الجرحى وأحرقوا المستشفى الميداني بمن فيه، وما زالت مجازرهم في حق الشعب المصري مستمرة؛ تطول الثوار كما تطول المجندين، وتستهدف الكنائس كما تستهدف المساجد، وبات الجميع في مرمى الانقلابيين أهدافًا مستباحة نظير تحقيق أطماعهم وتشبثهم بالسلطة.
وتعددت أشكال القتل على يد الانقلابيين؛ سواء بالتصفية المباشرة في الميادين والبيوت، أو بالقتل البطيء داخل أقبية السجون، أو بإعدام الأبرياء بالمحاكم العسكرية أو المدنية المسيسة، وباتت الدماء المعصومة بلا قيمة ولا قداسة في أعين هؤلاء القتلة المجرمين، وبات العدل- كقيمة عليا- لا وزن له في قانون الغاب الذي يحكم به الانقلاب الغادر.
وواصل هؤلاء العسكر مسلسل الخيانات بتفريطهم في الأرض والسيادة؛ فتنازلوا عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، لتصبح ممرًا دوليًا يستفيد منه الكيان الصهيوني، كما تنازلوا عن حقول الغاز الطبيعي في مياهنا الإقليمية في البحر المتوسط لليونان وقبرص، وعن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، بالتوقيع على المعاهدة الإطارية التي ضمت مصر والسودان وإثيوبيا، وقدموا فيها اعترافًا صريحًا بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة الذي يهدد أمن مصر المائي.
ومن أبشع خيانانتهم ما يقترفونه اليوم في سيناء الحبيبة؛ لفصلها عن مصر، لصالح أمن الكيان الصهيوني، فقاموا بتهجير أهالي رفح قسرًا، وهدم منازلهم، وردم آبار المياه، وتجريف أشجار الزيتون، وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع الكيان الصهيوني، ومحاولة الزجّ بالقبائل السيناوية في الاحتراب الأهلي، مع القتل اليومي الممنهج لأهالي سيناء، وكان أكثر المشاهد دموية، مذبحة مسجد الروضة، وتبني الانقلابيين ما يسمي بـ"صفقة القرن" التي يروج لها ترمب، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين في جزء من سيناء.
وقد استولى عسكر الانقلاب على الاقتصاد المصري برمّته، وأغرقوا الاقتصاد المصري في الديون، كما تم رهنه لمؤسسات الإقراض الدولية، وتعويم الجنيه المصري وتدهور قيمته الشرائية، وإرهاق الشعب المصري بموجات متلاحقة من الغلاء، في وقت فشلت فيه كل المشروعات الاقتصادية التي زعموا أنها بوابة مصر للتقدم والرفاهية؛ مثل تفريعة قناة السويس، ومشروع المليون وحدة سكنية، وزراعة 2 مليون فدان والعاصمة الإدارية الجديدة، وغير ذلك من المشاريع الفاشلة التي لم يشعر الشعب المصري بأي فائدة منها على حياته المعيشية.
وفي هذه المناسبة يؤكد الإخوان المسلمون ما يلي:
أولاً: ضرورة العمل على وحدة الصف الثوري على قاعدة إنهاء الانقلاب، ومشاركة الجميع دون استثناء في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وتحمّل الجميع التضحيات التي يتطلبها إنقاذ الوطن من مخالب هؤلاء العسكر.
ثانيًا: التمسك بأهداف ثورة 25 يناير في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، واستعادة استحقاقات الشعب الديمقراطية وشرعية اختياره.
ثالثًا: التمسك بحقوق الشهداء والجرحي والقصاص العادل لدمائهم الطاهرة.
عاشت ثورة يناير حية في قلوب الشعب المصري، وعاشت وحدة الشعب المصري ونضاله المستمر حتى إسقاط الانقلاب العسكري الغادر.
والله أكبر ولله الحمد
الإخوان المسلمين
الخميس 8 جمادى الأولى 1439هـ = 25 يناير 2018م
أضف تعليقك