منذ فترة، وغالبية المصريين يدركون أن الجنرال سيعيد ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية. بل يعتقد كثير من هؤلاء أنه سيعيد الترشح لفترة ثالثة ورابعة، وذلك لأسباب عديدة، أبرزها الحملة التشهيرية الإعلامية لكل من يعلن نيته الترشح أو يؤهله تاريخه للمنافسة الحقيقية على المنصب، بحيث يتم إخلاء الساحة لمرشحين ضعاف، مما يدفع الرأى العام لتقبل استمرار الجنرال رغم إخفاقه؛ باعتباره أفضل من المرشحين الآخرين.
وتشير تجارب حكم العسكر ببلدان العالم؛ إلى عدم تخليهم عن السلطة سوى بالوفاة أو بحدوث انقلاب عليه.
وجاء تنظيم النظام المصري مؤتمرا لثلاثة أيام، لاستعراض ما أسموه الطفرات الاقتصادية غير المسبوقة التي حققها الجنرال، وأكدت وقائع المؤتمر توقعات المصريين، من خلال استخدامه عددا من المشاهد المسرحية لاستدرار عاطفة المصريين، كما فعل بالمرة السابقة، ولكن بأسلوب مختلف.
فبعد أن كان يقول "إنتو نور عينينا.. صحيح".. "البلد دي ما لقتش إللي يحنو عليها"، وجد أن تلك الكلمات لم تعد تتسق مع ما تسبب فيه من غلاء ومعاناة لعموم المصريين، فاستبدل ذلك بالدعوة للوقوف لتحية المصريين والتصفيق لهم لتحملهم متاعب القرارات الاقتصادية التي اتخذها وعدم اعتراضهم.
كما كرر كثيرا تعبير "المواطنين" وأنهم أصحاب الفضل، وشكرهم على عدم تظاهرهم اعتراضا على تلك القرارات التي أضرت بهم، وهو يدرك تماما أن سبب عدم اعتراضهم كان بسبب قوانين التظاهر والإرهاب والطوارئ، وغياب الحريات، والسجون المملوءة بالمعارضين، لتصدير حالة من الرعب للمواطنين البسطاء، وهو يشاهدون قامات يتم التنكيل بها، مما دفعهم للصمت الإجبارى.
أنا أو مصير ليبيا واليمن!
وفي ضوء ولع الجنرال بالحديث طوال الوقت، فقد أتاح ذلك التعرف على حقيقة موقفه، حيث أظهرت كلماته وحركاته أنه أصبح يعتبر نفسه الدولة، والدولة هو، وأنه بدونه ستتفتت الدولة، ويصبح مصير المصريين مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان والصومال.
كما أكدت تشبثه الشديد بكرسي الحكم، وأنه لا يمكنه التخلى عنه، حيث ينوى اتهام مرشح قوي بالفساد؛ ليمنعه من الاقتراب من ذلك الكرسي، وقوله إن بناء الدول يحتاج ما بين 16 إلى 20 عاما، بينما سيحاول إتمامها بثماني سنوات، مما يعني إمكانية طلب فترة ثالثة، وقوله إنه لم تكن هناك أخطاء في فترة حكمه.
وشهدت وقائع المؤتمر عددا من المشاهد المتناقضة التي وجهت كثيرا من المصريين لعدم تفضيله بالانتخابات القادمة، حين قال إنه لم يكن ولن يكون طالبا لسلطة أو ساعيا لمنصب.. وبعدها بدقائق طلب الترشح لفترة رئاسية ثانية.. وقوله إنه لا يبيع الوهم ولا يعرف أن يقول كلاما غير حقيقي لا يكون صادقا فيه، مما استدعى لذاكرة المصريين وعوده المتكررة بخفض الأسعار خلال شهر، أواخر عام 2015، وما حدث بعدها من تصاعد للأسعار.. ونصحه لمن معه دولار بمنزله أن يسارع للتخلص منه في البنوك قبل أن تنخفض قيمته، لكن ما حدث هو تضاعف قيمته بعد تلك النصيحة بثلاثة أشهر.. وحديثه عن تحقيق تفريعة قناة السويس لتكلفة حفرها خلال أيام من افتتاحها.
زيادة مساحة الغموض بعد المؤتمر
وزاد حديثه من درجة الغموض؛ حين لجأ لتضخيم الإنجازات دون برهان، حين تحدث عن تحقق 11 ألف مشروع بعهده تكلفت تريليوني جنيه، دون معرفة - حتى للمتخصصين - بتلك المشروعات ومن أين مولها، وحديثه عن توفير 3.5 مليون فرصة عمل بالمشروعات القومية وحدها.. وهو ما لم ينعكس على حالة البطالة بالبلاد.. وحديثه عن تخصيص 250 مليار جنيه لتنمية سيناء، بينما سكانها يشكون من تكرار انقطاع الكهرباء والمياه، وعدم وجود اتصالات تلفونية، وصعوبة المواصلات، مما دفع الكثيرين لمقارنة الإنجازات المزعومة بأحوالهم المعيشية التي ازدادت سوءا، وبزيادة معدلات الفقر بعهده وحوادث الطرق، وانقطاعات مياه الشرب والكهرباء، والركود بالأسواق، واستمرار زيادة الأسعار، وما ينتظرونه من ارتفاعات أخرى عقب الانتخابات الرئاسية.
وفي حديثه، اعترف بعدم تحقيقه شيئا خلال فترته بملف المحليات الذي يعني حياة عموم المصريين بالأقاليم، وكذلك بملف انتشار المخدرات، واعتماده فقط على الجيش والشرطة اللذين اختصهما بالتحية دون غيرهما من الطوائف.
وزاد حديثه من مساحة عدم الاطمئنان على مستقبل المصريين، حيث لم يجب على أسئلة المواطنين، مثل: متى تتحسن أحوالهم؟ ومتى يتم القضاء على الإرهاب؟ مع ستمراره بالاقتراض الخارجي والداخلي، مما يزيد من أعباء تكلفة الدين وعجز الموازنة على حساب الخدمات.. وذكره أن نظام التأمين الصحي الشامل الذي سيبدأ في تموز/ يوليو القادم سيتم على 15 عاما، وأن الحريات السياسية ليست بمقدمة اهتماماته، وأنه لم يصل بعد لحل بمشكلة سد النهضة.
أضف تعليقك