بقلم: ياسر الزعاترة
لم يجد حسن نصر الله في تحليل الاحتجاجات الإيرانية سوى القول إنها «ليست سياسية»، وإنها ناتجة «تحديدا عن أفلاس بعض البنوك الإيرانية»!!
لم يسمع أحد بقصة إفلاس بعض البنوك الإيرانية من قبل، ولم يقل بذلك أي مسؤول إيراني، على حد علمنا، ويبدو أن نصر الله لم يجد أي سبب سياسي لما جرى، حيث أكد أن الشعب الإيراني يقف خلف قيادته فيما يتعلق بالسياسات الخارجية. ولم يجد أيضا أي رابط بين هذه الاحتجاجات وبين مثيلتها في 2009، ولا لاندلاعها في ذات التاريخ.
لم ينس نصر الله بطبيعة الحال في معرض التحليل أن يكرر ما ردده ساسة «الولي الفقيه» حول العامل الخارجي، ممثلا في أمريكا؛ لأن من غير المنطق أن يخرج بتحليل يختلف تماما مع تحليل «المرشد» نفسه، الذي تحدث عن الدسائس والمؤامرات.
يحسن هنا، وفي سياق الرد على تحليل نصر الله «العبقري»، التذكير بهذه الواقعة التي جرت صيف العام 2012. ففي مفاجأة من العيار الثقيل، كشف استطلاع للرأي أجرته القناة الإخبارية في التلفزيون الإيراني أن غالبية الإيرانيين يؤيدون وقف التخصيب مقابل الرفع التدريجي للعقوبات الدولية على إيران.
وكانت القناة قد سألت الجمهور عن الطريقة التي يفضلونها «لمواجهة العقوبات الأحادية التي فرضها الغرب على إيران»، طارحة عليهم ثلاثة خيارات هي : «التخلي عن التخصيب، في مقابل رفع تدريجي للعقوبات، إغلاق مضيق هرمز، أو مواجهة العقوبات للحفاظ على الحقوق النووية لإيران». وكانت المفاجأة أن 63 في المئة أيدوا وقف التخصيب، بينما أيد 20 في المئة إغلاق مضيق هرمز، وقال 18 في المئة بأن الأفضل هو مواجهة العقوبات.
وللتقليل من تأثير الاستطلاع، بادر موقع القناة إلى تجميده بعد 28 ساعة من بدء التصويت عليه، موضحا أن قراصنة إنترنت من خارج إيران هم الذين أثروا على النتيجة، مؤكدا أن النتيجة الحقيقية هي تأييد 24 في المئة فقط لوقف التخصيب، مقابل 38 في المئة للخيارين الآخرين. ومعتبرا أن هذه النتيجة (الأخيرة) «لا تعكس بأي شكل رأي الكل، أو حتى غالبية الشعب الثوري في إيران»!!
أما عن مآل الاحتجاجات، فقد قلنا هنا من البداية إن من الصعب القول إنها ستزعزع النظام الإيراني، ليس لأن غالبية الشعب تقف بجانبه؛ ولكن لأنه نظام أمني قوي وشرس، ويملك جحافل من «الباسيج» الذين يمكن أن يدفع بهم إلى الشوارع، وقد فعل، من أجل لجم الاحتجاجات، وإذا كان قد نجح في ذلك في مواجهة ما هو أكبر بكثير في 2009، فهو اليوم أكثر قوة وشراسة، لكن ذلك لا ينفي أن رسائل الاحتجاجات كانت واضحة، وهي أن غالبية الشعب الإيراني تقف في معسكر الرفض للمغامرات الخارجية التي يقودها «الولي الفقيه»، والتي استنزفت ثروات الشعب دون جدوى، وهي ذاتها التي فرضت عليه قبول الاتفاق النووي، لكن ثقل الكلفة لتلك المغامرات لم تسفر عن أمل كبير للشارع.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن، لم يعد يتعلق بمصير الاحتجاجات التي جرى لجمها بقوة البطش، وبلغة التخوين والتآمر، وبمساعدة جحافل من رجال الدين الجاهزين لنصرة «وليهم الفقيه»، بل بما إذا كانت رسائل الاحتجاج ستصل الأخير أم سيواصل التجاهل، ويمضي في مطاردة أوهام التمدد واستعادة ثارات التاريخ التي تسكن عقله؟!
إذا تجاهل الأمر، فستكون هناك جولات أخرى من الاحتجاج، لا سيما أن الحديث عن نهاية سعيدة لمشروع خامنئي الخارجي لا تعدو ضربا من الخيال. فلا العراق سيستقر تحت ولايته، ولا سوريا تسير نحو استقرار سريع، ولا اليمن سيخضع لإرادة الحوثي التابع.
سيأتي اليوم الذي يتجرّع فيه خامنئي «كأس السمّ»، ويأتي إلى تسوية متوازنة مع الجوار العربي والتركي، فهذا النزيف يصيب الجميع، وتغيير حقائق التاريخ والجغرافيا وهمٌ كبير، وسيضطر أخيرا إلى الانتباه لمطالب الشعب الذي يريد عيشا كريما، وليس مزيدا من الصواريخ وأوهام التمدد التي تكرر تجربة السوفيات من قبل.. وأفغانستان هنا هي سوريا بكل تأكيد.
- نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية
أضف تعليقك