كعادة القادة والزعماء العرب، يعلنون ويصرحون بأشياء ويملؤون الدنيا صراخا من أجلها، وفى الخفاء يقبلون بكل ما يريد الصهاينة، ومن ورائهم أمريكا، وهذا ما رأيناه طيلة الصراع العربى الصهيونى، بعد أن قزّموا القضية ونقلوها من إطارها الإسلامى الرحب، إلى الإطار العربى، ثم انتهى بها المطاف إلى حبسها في إطار سلطة أوسلو.
فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية النقاب عن أربعة تسجيلات صوتية تلفونية، لضابط كبيرفي مخابرات الانقلاب، يُدعى “أشرف الخولي”، يؤكد أن مصر كانت على علم بقرار “ترامب” بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأن قائد الانقلاب وافق وبارك ذلك.
وقد ركزت تسريبات الخولى على ضرورة إقناع الفلسطينيين بقبول ذلك، لكننا سندين الخطوة كبقية أخوتنا العرب أمام الشعوب، وظهر من خلال التسجيلات “الخولى” وهو بيبلغ الأذرع الإعلامية لنظام الانقلاب بتعليمات الأجهزة بخصوص ما يقولونه عن قرار أمريكا باعتبارالقدس عاصمة للدولة الكيان الصهيونى، وقد شملت مكالمات الخولى كلا من :عزمى مجاهد، ومفيد فوزى، وسعيد حساسين، ويسرا، وقد انصبّت تعليمات الخولى أن مصر ستدين قرار أمريكا في العلن زي كل اخواتنا العرب، بس عايزينكم تهدّوا المشاهدين وتقنعوهم يقبلوا القرار، إيه يعني تفرق إيه القدس عن رام الله؟ ثم إنه مش من مصلحتنا أي تصعيد مع الصهاينة، في حين أن ما هو مهم بالنسبة لنا إنهاء معاناة الفلسطينيين، عبر حلّ سياسي يتمثل في رام الله بدل القدس عاصمة لفلسطين، محذراً من انتفاضة فلسطينية قد تضر الأمن القومي المصري، ما نراه خطيراً هو مسألة الانتفاضة، لن تخدم الانتفاضة مصالح الأمن القومي المصرية، لأنَّها ستُعيد تنشيط الإسلاميين وحماس، وستولد حماس مرةً أخرى.
وكان التركيز بشكل لافت، على عزمى مجاهد، الذى طلب منه الخولى: أن يتهم قطر عدو مصر الإقليمي وحاكمها الأمير تميم بن حمد آل ثاني، بأنه مذنب وأنه يتعاون مع دولة الكيان الصهيونى، وستقول أيضا إن تميم وقطر لديهما علاقات سرية مع إسرائيل.
ورد مجاهد: “علاقاتهم واضحة، من دواعي سروري أننى سأدرج ذلك كله في الحلقة القادمة بإذن الله، أمَّا فيما يتعلق بمن يرفضون ذلك الموقف، – يقصد موقف مصر- فقال مجاهد إنَّه “ينبغي أن تكون لدينا حافلات تُقِلّ كل أولئك الذين يقولون إنَّهم يريدون القتال من أجل القدس، وتأخذهم فعلاً للقدس. اذهبوا وقاتلوا إن كنتم أقوياء لهذه الدرجة. لقد سئم الناس الشعارات وكل هذا، لا يهمني إلا مصلحة بلدي.
وتقريباً الموقف المصرى، يتماهى تماما مع الموقف السعودى، الذى يتبناه ولى العهد “محمد بن سلمان”، حول صفقة القرن، وإنها القضية الفلسطينية، حيث أعلنت المملكة موافقتها الضمنية على مطالبة الصهاينة بضم القدس، وباركت قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة للصهاينة، كما قام ولى العهد السعودي “محمد بن سلمان” بتهديد محمود عباس بضرورة قبول رؤية صفقة القرن لإقامة دولة فلسطينية، على بعض المناطق المتفرقة في الضفة الغربية، عاصمتها قرية “أبوديس” بدلاً من القدس الشرقية، في الوقت الذى أعلنت فيه المملكة رفضها لقرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيونى.
فليس غريبا على من يحاصر غزة منذ سنوات، ويضيق عليها الخناق، وإغراقها بمياه البحر، لقتل رجالها ونسائها وأطفالها جوعا وعطشا ومرضا، أن يقبل في الخفاء بالتنازل عن القدس، ويزعم بأنه يدعم القضية الفلسطينية في الظاهر، كما يفعل اليوم في سيناء، بتفريغها من أهلها بزعم محاربة الإرهاب تمهيدا لصفقة القرن.
وأن بن سلمان لا ينسى، بأن ترامب هو من أتى به لولاية العهد، فهو مدين لسيده ترامب، كما كشف عن ذلك كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون الاستراتيجية السابق، “ستيف بانون”، بإعلان تورط ترامب والإدارة الأمريكية، في دعم انقلاب في السعودية لصالح ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.
ولعل الذى جعل الدول العربية تتخندق مع دولة الكيان الصهيونى في خندق واحد، خاصة مصر والسعودية والإمارات، ضد تركيا وقطر والإخوان المسلمين، واعتبارهم العدو اللدود، بدلاً من الكيان الصهيونى، هو كراهية الإسلاميين، ومحاولة اجتثاثهم، خاصة جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت قناة “الجزيرة” قد نقلت عن مصادر أردنية مسؤولة، قولها إن السعودية ومصر تحفظتا على طلب الأردن عقد قمة عربية طارئة لمواجهة قرار دونالد ترامب، بشأن اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الصهيوني، وقد بررتا الدولتان التحفظ، بأن قمة عربية عادية ستعقد في الرياض في مارس المقبل، لمناقشة تداعيات قرار ترامب، فإذا أضفنا إلى ذلك الكشف عن خيوط مؤامرة لمحاولة انقلابية، ضد الملك عبدالله، لأنه على مايبدو اعترض على بعض تفاصيل صفقة القرن، يتبين لنا بجلاء حقيقة الموقف العربى المهترئ حول القضية الفلسطينية.
وكالعادة سارعت السلطات الانقلابية بالنفى، زاعمة بإن تقرير نيويورك تايمز “يحمل ادعاءات”، وأنه تسريبات مزعومة لشخص مجهول، وأن التقرير لم يقدم أدنى دليل لانتماء هذا الشخص لجهاز المخابرات، وأن نشر ادعاءات بشأن موقف
مصر من القدس، أمر لا يليق بصحيفة كبيرة مثل “نيويورك تايمز”، لأن مواقف مصر من القضايا الدولية لا يتم استنتاجها من تسريبات مزعومة لشخص مجهول، وإنما يعبر عنها رئيس الدولة، ووزير الخارجية، والبيانات، والمواقف الرسمية، وجميع هذه الجهات أعلنت مواقفها بشأن القدس، وترجمته فعليا في مواقف وإجراءات في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
والحقيقة أن مواقف السلطات الانقلابية، التى احترفت الكذب، تبرهن على صحة التسريبات، فى ظل التقارب مع دولة الكيان الصهيونى، والرضوخ لمطالب الإدارة الأمريكية.
أضف تعليقك