• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كان وجهه أسود على عامنا الجديد بعد تنصيبه رئيساً لأمريكا، ثم أبى إلا أن يختتم العام بوجهه من جديد باعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ليقوّم الدنيا عليه.. ويحلف يميناً ألا نهنأ لحظة، فيكون عامنا منتهي الصلاحية بامتياز. لم يكن عامُنا على العموم طيباً بمقياس الأحداث، فكل الأحوال البائسة بقيت على حالها وازدادت سوءاً.

غريب كيف أن أبرز المجريات العالمية دائماً ما ترتبط، بطريقة أو بأخرى، بنا أو بمنطقتنا المشتعلة، فالسياسة تلف وتدور ثم تعود أدراجها إلينا والاقتصاد يصعد ويهبط ويتعثر حتى يلقى حتفه في بلداننا.

لم يكن باراك أوباما، الذي غادر البيت الأبيض في مطلع العام، أفضل بكثير من دونالد ترمب، الذي تم تنصيبه رئيساً للبلاد الأقوى في العالم.. فكلاهما يحمل السياسة ذاتها تجاهنا، لكن الأول كان أكثر حناناً وطبطبة، فيما جاء الأخير وفي يده ساطور كبير يُهدّد ويتوعّد وينشر العنصرية علانيةً وبدون مواربات.

في العام المُغادر.. استمرت آلة القتل في سوريا في العمل دون هوادة، لكن الهرج والمرج ازداد تحت القبب وازداد الأطفال فيها جوعاً وبرداً، وأزيحت الكاميرا قليلاً عنها ناحية اليمن، لتكشف عن مزيد من القتل والجوع والتضليل والانتقام.. ولم يفرح أحدٌ لمقتل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح مع اقتراب نهاية العام.. فموته لم يغير أي شيء في عين بثينة، الطفلة اليمنية -ومثلها الآلاف- والتي ستفهم، لحظاتٍ بعد ذلك، أن أهلها كلهم قتلوا في قصف ساهم فيه العرب وبقيت وحدها تصارع الحياة في يمنٍ غير سعيد.

وفي مصر تتواصل الفجيعة بقتل الناس في بيوت الله، مئات يُقتلون في مسجد في سيناء، والقتَلة إرهابيون "سيسيّو" المُسمى مجهولو الشكل والملامح، وعشرات يُقتلون في كنائس عشية احتفالاتهم.. لربما كي ينسى الناس الإعدامات التي طالت سجناء الرأي بدون محاكمات حقيقية، والتي مرت مرور الكرام على الشريط الإخباري، فكيف يوصف عامُ مصر الجديد إذن؟

وفي العراق، لا أحد يصغي إلى قصص الذل اليومي الذي عاشه العراقيون الى جانب الموت اليوميّ طبعاً، فبعد أن أقاموها كدولة داخل دولة وأعطوها راية الإسلام ومظاهره ونشروا أخبارها وقصصها وجعلوها الخبر الاول في أمريكا.. أعلنت الحكومة إنهاء "دولة تنظيم الدولة الإسلامية" من العراق في نهاية حزيران، فيما أكد الروس أنهم أخرجوها من سوريا إلى غير رجعة في كانون الأول.. يا سلام.. ويا الله ما أبسط الكلام.

الجديد في عامنا المودِّع أنه كشف اللثام عن حقد الأخ تجاه أخيه، إذ قامت قائمة بلدان خليجية على أختهم قطر وقطعت علاقتها بدمها ولحمها وقطعت التجارة والسياسة بتهمة الإرهاب وتمويله، فلم يكتفِ الإعلام الغربي بنقل خراب العلاقات بين العائلة العربية الواحدة، بل راح يُحلل ويفضح السرّ وراء الآخر.. وكأننا كنا في حاجة إلى تأكيد خيبتنا أمام العالم أجمع.. وأيّ خيبة هذه..

صحيح أننا أصبحنا خبراء في تحليل أسباب الأعاصير في أمريكا والبلاد الغربية بأنها عقاب ربانيّ، حتى وإن كانت التحذيرات والإدارة الناجحة سبقت وساهمت في نجاة ملايين السكان من الكارثة المحدقة في فلوريدا، ومثلهم في إعصار تكساس، بينما كشفت فيضانات عربية عن فساد حكومات لا تكلف نفسها عناء خلق بنية تحتية تحسباً للفيضانات رغم تكراراها عاماً بعد عام.

وبقينا نضحك على خيبتنا الجديدة عندما مُنحت المرأة حق قيادة السيارات أخيراً في السعودية، التي سُمح فيها أيضا بإعطاء رخص لفتح دور سينما، في خطوات جديدة فُسرت بالانفتاح، وراح الناس في وسائل التواصل الاجتماعي يوزعون النكات على الحدثين تارة ويعطون فتاواهم الشخصية في القضيتين إن كانتا ضمن الشرع الإسلامي في شي.. أما الغرب فأخذ يُحلل الحدث ويربطه بمدى تخلّف العرب متسائلاً عن "غرابة" ربط الإسلام بالموضوع.

ولا ننسى كيف نجحت كل تلك الأحداث في كشف الأقنعة عن شخصيات كنا نحترمها ونتابعها بشغف، عن دعاة وشيوخ كنا نستقي منهم أمور ديننا فصفعونا بصمتهم عن الحق أو بجهرهم بالباطل.. فيما حكم على الصادقون منهم بالاعتقالات والسجن وغيره..

فلم نعد ندري إن كانت الأمور ستبقى على حالها في العام الجديد أم سيكون عاماً سريع الاشتعال كسابقه، أم أن علينا التحلي بالتفاؤل الجميل أملاً في التغيير ونبذاً للتشاؤم المرير.. لعلنا نلقى ربنا بعد عامنا هذا في بلدنا هذا.. أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد.

أضف تعليقك