في الوقت الذي تسود فيه حالة من الغضب الشديد في مصر بسبب موجة الغلاء الفاحش في الأسعار، يؤكد خبراء الاقتصاد أن عام 2018 الذي نستقبله بعد أيام لن يكون فيه الوضع أفضل، بل سيكون أسوأ بكثير في ظل استمرار سياسات العسكر الفاشلة.
وأصبح السؤل الرئيس بالبيوت المصرية متى تنتهى موجة الغلاء؟ فعدم تنفيذ قائد الانقلاب لوعوده السابقة بشأن ثبات الأسعار يقلل من تفاؤلهم.
المؤكد أن الشواهد تشير إلى توقع استمرار الغلاء، لأسباب تتعلق بحكومة الانقلاب وأسباب تتعلق بالعالم الخارجي، حيث تلتزم مصر في إطار اقتراضها من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ويرافق ذلك أسبابا محلية أخرى منها انتشار الاحتكار لعدد كبير من السلع، وهو أمر تشارك به سلطات الانقلاب مما يعنى توقع استمراره، وزيادة حلقات تداول السلع وارتفاع هوامش الربح بكل حلقة، وزيادة معدلات الفاقد والتي يتم تعويضها برفع السعر، واستمرار نقص تمويل البنوك للمستوردين خاصة من القطاع الخاص، وتشدد الجهات الحكومية والبنوك مع المستوردين حتى الجهات الحكومية لابد لها من الحصول على موافقة المركزي قبل الاستيراد، سعيا لخفض الواردات، لتخفيف الضغط على الدولار، وهو أمر يتسبب في نقص السلع بالأسواق، وبالتالي ارتفاع ثمنها بحكم قانون العرض والطلب.
زيادات جديدة
تستعد سلطات الانقلاب لاستقبال العام الجديد بموجة جديدة من رفع الأسعار نحو مزيد من تجويع الشعب المصري، فبداية من تذكرة المترو اعتبارًا من شهر يوليو القادم، حيث سيتم رفع أسعار التذاكر لتترواح ما بين 4.5 إلى 6 جنيهات، إلى البنزين والسولار، حيث سترتفع أسعارهما بنسبة تصل إلى 50% فى الربع الأول من عام 2018.
كما سترتفع أسعار المواصلات العامة والخاصة نتيجة زيادة أسعار المواد البترولية.
وبالنسبة للكهرباء، فالزيادة متوقعة فى أسعارها لجميع الشرائح ضمن خطة العسكر لإلغاء الدعم، ومع قرار رفع أسعار الكهرباء ستتم زيادة أسعار المياة والصرف الصحى المرتبطين ببعضهما البعض.
كما تتجه حكومة الانقلاب لإلغاء دعم أنابيب البوتاجاز، وهو ماسيؤدي إلى زيادة سعرها إلى 120 جنيها.
سياسات فاشلة
إذا كان المواطن المصري يعاني من تبعات سلبية بسبب ارتفاع معدلات التضخم، فإن القادم ليس بأفضل مما هو واقع الآن، بل ستكون هناك معاناة أكبر بسبب حالة الركود التي ستزداد مع السياسات الاقتصادية الفاشلة التي يطبقها العسكر، من حيث تقييد الاستيراد، وزيادة أعباء الإنتاج بالداخل نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل والوقود والنقل وغير ذلك.
واللافت أنه مع هذه الزيادات المتتابعة في أسعار الخدمات الرئيسية وانخفاض القيمة الحقيقية للدخول والثروة لدى الأفراد، لم تتجاوز الزيادة في الأجور والمرتبات للعاملين بالحكومة 7%.
ويظن البعض أن معدل التضخم سوف ينخفض في المرحلة المقبلة بسبب انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه بحوالي 40 قرشا مؤخرًا، ولكن الحقيقة أن هذا الخفض ليس طبيعيًا، ولذلك لا ينتظر أن تكون له جوانب إيجابية.
فانخفاض الدولار أمام الجنيه مرجعه عدة أمور، منها: ما حصلت عليه حكومة الانقلاب من استثمارات أجنبية في الدين العام (أذون وسندات حكومية) بنحو 13 مليار دولار، وهي أموال ساخنة من شأنها أن تهرب في أقرب أزمة يتعرض لها الاقتصاد المصري، فضلًا عن تكلفتها المرتفعة التي وصلت إلى 22% سنويا.
والسبب الثاني هو القرارات الإدارية التي قيدت الاستيراد وأدت إلى إحداث حالة من الركود ظهرت ملامحها السلبية في تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي حسب التقديرات الحكومية من 4.4% في 2015-2016 إلى 4.2% في 2016-2017.
وبذلك يمكننا القول إنه إذا حدث تراجع في معدل التضخم فسيكون نتيجة ما يعرف بالتضخم المكبوت، وهو ما يتحقق نتيجة قرارات إدارية وليس آليات العرض والطلب الطبيعية.
يظن البعض أن ما شهدته مصر في نهاية يوليو 2017 هو السقف الأعلى لمعدلات التضخم، ولكن الأدبيات الاقتصادية تنبئنا بأن الإجراءات التي اتخذت على صعيد رفع أسعار الخدمات الأساسية سيظهر أثرها بوضوح في الفترة المقبلة، ولذلك ستستمر معدلات التضخم في الارتفاع.
وما لم تتغير السياسات الاقتصادية بمصر لتدعم قطاعات الإنتاج وتسهم بالفعل في إنتاج السلع والخدمات الحقيقية والبعد عن الأنشطة الريعية والمضاربات، فلن يتوقف سعار التضخم، وستعيش مصر ما يعرف بالتضخم الجامح الذي قد يتجاوز المعدلات الحالية بشكل كبير.
فلم تتعلم حكومة الانقلاب من أن سياساتها الاقتصادية منذ الانقلاب العسكري في 2013 وحتى الآن، تسببت في رفع معدل التضخم من 7% بنهاية يونيو 2013 إلى 34.2% في نهاية يوليو 2017، أي أن التضخم بلغ خمسة أضعاف خلال أربع سنوات.
أضف تعليقك