بقلم: د. نزار رمضان
لم يعد هناك نظام عالمي جديد وشرعية دولية في الوقت الذي تتغول فيه الولايات المتحدة الأمريكية على الإجماع الدولي فتضرب بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة عرض الحائط، وتنفرد بالفيتو الذي يعصف بالشرعية الدولية دون مبالاة بإجماع الدول العظمى الأربعة عشر التي صوتت ضد إعلان الرئيس الأمريكي رونالد ترمب بعدّ القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني.
لقد استخدمت الإدارة الأمريكية حق النقض الفيتو 80 مرة في تاريخها السياسي داخل مجلس الأمن، 43 قرارا منها كان النقض فيها لصالح "إسرائيل" والتي كان آخرها إعلان (نيكي هايلي) المندوبة الأمريكية في الأمم المتحده التي أعلنت عن موقف الإدارة الأمريكية باتخاذ حق النقض الفيتو ضد القرار المصري الذي قدم لمجلس الأمن رفضا لاعتبار القدس عاصمة للدولة اليهودية .
جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ليدفع نحو عزلة دولية للإدارة الأمريكية ودولة الكيان الصهيوني حيث كانت نتيجة القرار صادمة
جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ليدفع نحو عزلة دولية للإدارة الأمريكية ودولة الكيان الصهيوني حيث كانت نتيجة القرار صادمة، فرفض 128 دولة عدّ القدس عاصمة لدولة الكيان بأغلبية ساحقة، وهذا بدوره شكل خطابا دوليا وازنا جديدا سيؤدي الى عزل الولايات المتحدة مستقبلا، ويقلص من امتداد هيمنتها الخارجية هي وحلفائها وعلى وجه الخصوص دولة الكيان، التي دخلت مرحلة إساءة الوجه أمام عالم يتغنى بالشرعية الدولية.
وكما كان الأمر مذلا للإدارة الأمريكية عندما صوت معها في الجمعية العامة ثمانية دول لاوزن لها ولا قيمة عدا "إسرائيل"، ولا تشكل في الحضور السياسي أية قيمة كانت، ولم يكن تصويتها سوى خشية على بعض الفتات الذي تتلقاه تلك الدول من الإدارة الأمريكية، في حين اختارت 35 دولة الامتناع عن التصويت خشية تهديدات الولايات المتحدة بتقليص الدعم عنها.
ووفق قرارات سابقة للجمعية العامة ومجلس الأمن فإن أي تدابير تهدف إلى تغيير هوية أو وضع مدينة القدس أو التكوين السكاني للمدينة المقدسة ليس لها أثر قانوني، ولاغية وباطلة، ولا بد من إلغائها التزاما بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وسبق وأن صدر قرار عن الجمعية العامة عام 1980م حمل رقم 478 يمنع الدول المشاركة من إقامة بعثات دبلوماسية في مدينة القدس تطبيقا للقرار المذكور، كما طالب القرار 478 آنذاك كل الدول بالالتزام بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس المقدسة، وعدم الاعتراف بأي تدابير أو إجراءات تتناقض مع تلك القرارات.
ولم يكن تداول قضية القدس في الأمم المتحدة جديدا، حيث ناقش قرار التقسيم رقم 181م الذي صدر عن الجمعية العامة في 29 تشرين ثاني 1947م موضوع القدس والذي نص على تدويلها آنذاك وحماية المقدسات الدينية فيها ولم يعتبرها عاصمة لإسرائيل.
يبدو أن تجاوز الإدارة الامريكية لقرارات الامم المتحدة السابقة المتعلقة بالوضع القانوي للقدس، سيجعلها في زاوية المجتمع الدولي وستحكم على نفسها بالعزلة وستتحول من راع للشرعية الدولية الى راع لشريعة الغاب
ويرى فقهاء القانون الدولي أن القرار الأمريكي تجاه القدس يتعارض مع القانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن تلك التي تعدّها أرضا محتلة، وأي إجراءات أو قرارات جرت من قبل دولة الكيان بعد ضمها عام 1967م تعد باطلة ولاغية من الناحية القانونية ومخالفة لأحكام القانون الدولي ولا يترتب عليها أية آثار قانوية وفقا لاتفاقية لاهاي الموقعة عام 1907م واتفاقية جنيف الرابعة الموقعة عام 1949م، ولا يحق للاحتلال نقل سيادة القدس أو إلغائها كونه طارئا.
وقد وقعت الإدارة الأمريكية على تلك الاتفاقيات آنذاك، هذا بالاضافة إلى أنها ليست طرفا في بعض الاتفاقيات مثل اتفاق روما الذي لم توقع عليه وكذلك البروتوكولين الإضافيين لاتفاقية جنيف لعام 1977م واتفاقية لاهاي لعام 1899 التي اصبحت نافذة عام 1907م، هذه الاتفاقيات كلها لا تفسح مجالا للإدارة الأمريكية إجراء أي تغيير في الصفة القانونية لمدينة القدس المحتلة، فالقدس بشقيها حسب القانون الدولي محتلة!! خاصة أن قرار التقسيم لم يعدّها بشرقيها وغربيها عاصمة للدولة الصهيونية.
هذا بالإضافة إلى أن القوانين التي صدرت عن الاتفاقيات الدولية وصوت عليها في الأمم المتحدة، ومر على جزء منها أكثر من مائة عام باتت تشكل تراثا قانونيا داخل الأمم المتحدة يحظر الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة أو ضمها.
إن قرار الرئيس الأمريكي رونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة "لإسرائيل" هو قرار سياسي خاص بالادارة الامريكية وليس قرارا يتوافق مع القانون الدولي، لا بل لا يأخذ أية صفة قانونية، وسينعكس سلبا على مكانة الولايات المتحده ودورها في المجتمع الدولي .
ويبدو أن تجاوز الإدارة الأمريكية لقرارات الأمم المتحدة السابقة المتعلقة بالوضع القانوي للقدس، سيجعلها في زاوية المجتمع الدولي وستحكم على نفسها بالعزلة، وستتحول من راع للشرعية الدولية إلى راع لشريعة الغاب.
اليوم الجماهير المسلمة الغاضبة من طنجة إلى جاكرته تنزل إلى الشوارع والميادين العامة، تمزق وتحرق علم الولايات المتحدة وصورة ترمب، وكذا الحال في العواصم الغربية، تلفظ الجماهير الغاضبة شريعة الغاب التي تبنتها الإدارة الأمريكية تجاه فلسطين وقضيتها وقدسها .. لقد داس الأطفال الذين لا يعرفون السياسة هيبة أمريكا.
أما آن الأوان للدول الوظيفية التي عاشت عصورا من الظلام في ظل التبعية الأمريكية أن تحرر ذاتها وتقول: لا لسياسة أمريكا العنصرية الظالمة .. آما آن الأوان لدول منظمة المؤتمر الإسلامي ان يتخذوا قرارا جريئا بإعلان الطلاق عن التبعية لأمريكا حتى يريحوا الأجيال من نار سياساتها .. ألم يأن للعرب وجامعتهم الفتية ان يطلقوا رصاصة الثورة على السياسات الأمريكية ويتخلصوا من آثار الفوضى الأمريكية الخلاقة التي أشعلت محرقة في كل عاصمة عربية؟.
أما آمن الأوان للدول الوظيفية التي عاشت عصورا من الظلام في ظل التبعية الامريكية أن تحرر ذاتها
اليوم أمريكا أعلنت استقالتها من هيئة الشرعية الدولية، وباتت تكيل بألف مكيال من أجل خدمة مصالح الصهيونية العالمية وفق سياسة شريعة الغاب التي ستقزمها شيئا فشيئا حتى النهاية .. وحتى التلاشي.
لم يعد اليوم أي نوع من الهيبة للولايات المتحدة الأمريكية التي باعت دنياها بدنيا الصهيونية العالمية والمسيحية الإنجليكانية والتي ضربت عرض الحائط رضى 2 مليار مسلم بقرار ضم القدس الإسلامية لدولة الكيان .. لقد شكل قرار ترمب صعقة؛ لا بل صحوة لملايين الشباب المسلمين الذين ربما كان بعضهم لا يعرف مكانة القدس .. لكن اليوم وبعد وعد ترمب لليهود بالقدس عاصمة لدولتهم اللقيطة، استيقظت الجماهير وتفجرت ثورتها، ويصعب أن تتوقف وغضبها قادم كما توقع رئيس جهاز الشاباك الصهيوني .. لأنها القدس ملهمة قلوب الملايين .
بات اليوم العداء لسياسات أمريكا قربى الى الله والوطن في نظر القوى والفعاليات والأحزاب والحركات الإقليمية والعالمية لأن سياساتها زرعت في كل بيت وشارع مأتمنا .. كفى كفى أمريكا، فقد أفلت شمسك!! وغضبة الجماهير يصعب الوقوف أمامها في ظل عصر (السوشل ميديا) ومواقع التواصل الاجتماعي ..ولم تعد السياسة الأمريكية العرجاء تصلح لقيادة النظام العالمي الجديد.
أضف تعليقك