تحدثنا في الأسبوع الماضي عن معوقات تقف في طريق التغيير السلمي الذي تطمح إليه الشعوب العربية المظلومة التواقة للحرية، وكيف أن النخبة السياسية نفسها تعتبر من أهم هذه المعوقات. واليوم، نتحدث عن أهم صفات هذه النخبة التي تحتكر منابر المعارضة؛ كما يحتكر الحكام مقاعد السلطة.
ضعف الثقافة
غالبية النخب السياسية العربية - وأخص الحالة المصرية - تعاني ضعفا ثقافيا شديدا، وهو انعكاس طبيعي لمخرجات التعليم العام في دولنا العربية.
ربما يكون الجهل واضحا أكثر في النخب السياسية المصرية، فغالبية المتحدثين في الشأن العام في مصر لا يكاد الواحد منهم يقيم جملة عربية صحيحة، ولا يكاد الواحد فيهم يقدم فكرة متكاملة متماسكة في أي موضوع من المواضيع، والاستثناءات قليلة.
لا يمكن أن نعتبر صفة الجهل خاصة بتيار دون تيار، ولا يمكن أن نعتبرها أكثر التصاقا بتيار دون آخر... فالجهل والسطحية سمة عامة في النخب السياسية المصرية، لا فرق بين إسلامي وليبرالي!
العجز عن العمل الجماعي
وكيف يمكن لهذه النخب أن تتعلم العمل الجماعي، وهو جريمة في نظر القانون في غالبية دولنا العربية؟
لا أحد يتقن العمل الجماعي ويعرف أصوله، والأهم من ذلك... لا أحد تربى على العمل الجماعي منذ الصغر، فهو قيمة أخلاقية تغرس في النشء منذ نعومة الأظفار، وهذا أمر نفتقده في غالبية الدول والمؤسسات والأحزاب والجماعات.
إنه عيب يجمع بين أهل الحكم وأهل المعارضة. قد يكسر الإٍسلاميون هذه القاعدة، فهم يتقنون العمل الجماعي أكثر من سواهم، ولكن بمفهومهم وطريقتهم، فهو عمل جماعي "سري"، ومنغلق على نفسه، غير منفتح على المتجمع أو على الآخرين، وليس فيه مجال للإبداع، كما أنه دائما عمل ميكانيكي موسمي، يعطي المتعاونين معه سمكة، ويحرص على عدم إعطائهم صنارة صيد.
الزعامة
مرض خبيث من أمراض النفس البشرية، ولكنه يزداد مع فراغ الساحة من الشخصيات العامة، فنرى أقزاما تسعى إلى صناعة زعامات كرتونية، مرة بتأسيس كيانات وهمية، وتارة بخطاب زاعق يجذب الغوغاء، وأخرى بالانبطاح أمام مؤسسات بعينها تستطيع أن تخلق الأتباع الوهميين، أو بفرض النفس عن طريق المال، أو المنابر الإعلامية التي لا تملك من رجاحة العقل شراك بعير، ولا تملك من حس المسؤولية الوطنية إلا كلمات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع.
المال
من أسوأ ما تعاني منه النخبة السياسية (خصوصا بعد أزمة المنفى)؛ جمع المال!
في لحظات من التشتت والضياع وعدم اليقين، يظهر عند النخب الوطنية الواعية شعور عام بالتكافل والتضامن، أما النخب التي تعاني من الجهل والعجز وحب الزعامة مع انعدام المشروع، فيظهر فيها ظاهرة الترزق والتكسب، والصراع على الفتات، وسحق الآخرين - من المعسكر ذاته - في سبيل تحقيق شعور وهمي بالأمان. وأسوأ ما في الأمر أن كل هذه الأعمال تغلف دائما بغلاف وطني براق، والوطنية منه براء.
لن تجد فرقا بين التيارات المختلفة في هذا الأمر... تجربة الربيع العربي اليوم تمر بحالة تراجع وهزيمة... وهو ما فضح رموزا كثيرة، وأظهر أسوأ ما في نفوس شخصيات كنا نعدهم رصيدا للأمة، فإذا بهم يعتنون بأرصدتهم في البنوك وينسون واجباتهم الوطنية، ومسؤوليتهم تجاه الآخرين، وخصوصا الشباب.
لا فرق في هذا الأمر بين التيارات المختلفة أيضا... مع الأسف!
قلة أو انعدام الخبرة السياسية
ومن أين تأتي الخبرة؟ من مصدرين رئيسين... الأول: القراءة ومصادر المعرفة، والثاني: الممارسة!
ونحن أمام نخبة من صفاتها الأساسية الجهل - كما ذكرنا - كما أنه قد حكم عليها بالإقصاء التام من دولاب مؤسسات الدولة، بحكم الأنظمة العسكرية التي حكمت أوطاننا عشرات السنين، فلا هم يملكون تصورا نظريا عن السياسة (من خلال القراءة)، ولا هم يملكون خبرة عملية ناتجة عن تجربة ما في الحكم!
لذلك... كان الفشل الذريع طبيعيا جدا حين باغت الربيع العربي دولنا.
ولا فرق في هذا الأمر بين التيارات الفكرية المختلفة... الكل يعاني من ضعف الخبرة السياسية.
الشيخوخة السياسية
الشيخوخة ليست عيبا، ففيها عصارة من الخبرة والتجربة يمكن الاستفادة منه، ولكن البقاء في القيادة عشرات السنين هو المشكلة.
الشيوخ رصيد فكري معنوي معلوماتي للأمة، ولكن القيادة - خصوصا في هذا العصر الصعب - لا بد ولا يمكن أن تكون إلا للشباب!
وأسوأ ما في الشيخوخة - بمعناها السياسي - أنها يمكن توريثها للشباب، فترى في كل التيارات السياسية شيوخا تجاوزوا السبعين والثمانين في مقاعد القيادة، وحولهم من هم أصغر منهم بعشرات السنين، ولكنهم منتقون... فتجد الشاب منهم لم يبلغ الأربعين - وأحيانا الثلاثين - ولكنه يفكر بعقلية أستاذه، أو ولي نعمته الذي ولد في ثلاثينيات القرن الماضي!
ضعف العلاقات الدولية
العلاقات الدولية للسياسيين كالفارق بين لاعب الكرة "المحلي"، واللاعب "الدولي"!
هناك فارق كبير بين لعب كرة القدم في قرية نائية في الريف، وبين لعب المنتخبات في البطولات الدولية العالمية.
العلاقات الدولية لأي سياسي في غالبية الدول العربية جريمة خيانة عظمى مكتملة الأركان!
بل إن البدء في علاقات دولية بعد الوصول إلى الحكم تحول إلى جريمة بعد أن نجحت الانقلابات العسكرية في إسقاط الحكومات المنتخبة، وها هو رئيس منقلب عليه يعاقب بتهمة التخابر مع حماس وقطر وغير ذلك من التهم المضحكة.
المشكلة أن من يملك بعض العلاقات الدولية من المعارضين العرب لا يكاد يوظف هذه العلاقات إلا في أضيق الحدود، ولا يكاد تستفيد منها الجماعة الوطنية في شيء، وذلك لأسباب كثيرة أهمها حب الزعامة، وانعدام الثقة المتبادلة بين أطراف الجماعة الوطنية.
من كل ما سبق ينبغي أن نفهم أننا نعاني هذه الأوضاع بسبب أنظمة حكم هي الأحقر في تاريخنا الحديث، ولأن من يواجهها نخبة معارضة هي الأتفه في التاريخ الحديث أيضا!
لو تابعنا ما يحدث حاليا في منفى المعارضة المصرية في بلد مثل تركيا، سنجد مؤسسات تمر بأزمات مخجلة؛ بسبب أمراض جنون العظمة التي أصابت القائمين عليها، ومؤسسات لم تتمكن من الولادة أو هي على وشك أن تولد مشوهة بسبب أطماع بعض الأقزام في الصدارة، وطاقات وطنية كبيرة يتحكم فيها مجموعة من العجائز الأوفياء للماضي، الكارهين للمستقبل، وفي النهاية يدفع الوطن والمنطقة كلها ثمن تصدر هؤلاء الصغار الجهلة غير المؤهلين الطامعين للزعامة دون تاريخ ودون إمكانيات.
هنيئا للأنظمة بهذه النخب... ولتسامحنا أوطاننا... فوالله ما زالت هناك نخب لا تطمح إلا لمصلحة الوطن كله، ولا غرض لها إلا الإصلاح...!
ملحوظة: لا تحدثني عن اليأس... فيقيني بالنصر لا يهتز، وكلي ثقة من أن قيادة جديدة تعمد بالدم والحديد والنار، ستخرج من السجون، وتعود من المنافي، في وقت قريب جدا بإذن الله، أما هؤلاء المعارضون فسينتهي وجودهم من حياتنا قريبا، وسيذهبون إلى حيث ينبغي أن يكونوا.
أضف تعليقك