• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كثيرون فرحوا بتصويت مائة وثمان وعشرين دولة صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. وقد اعتبره البعض نصراً مؤزراً للمجتمع الدولي ضد الجبروت الأمريكي. لكن متى اهتمت أمريكا لجعجعة العالم؟ متى يدرك المحتفلون بتصويت الجمعية العام بأن هذا العالم نسخة طبق الأصل عن الغابة، وأن شريعة الغاب هي الحاكمة شاء من شاء وأبى من أبى؟

 لا شك أن الكثير منا تساءل، وأمعن في التساؤل: لماذا لا تتجرأ دولة عربية واحدة على مقاومة أمريكا والتصدي لها عملياً، وليس كلامياً على طريقة التنديد والشجب والاستنكار العربية المعهودة؟ لماذا لم يُقدم نظام عربي للدفاع عن نظام عربي آخر في وجه أمريكا؟ لماذا تتبرع الدول العربية بضرب بعضها البعض والتآمر على بعضها البعض نزولاً عند الرغبة الأمريكية؟ لماذا تكتفي الدول العربية بمجرد التفرج على الجبروت الأمريكي في أحسن الأحوال؟ كم من الصحفيين عزا ذلك الصمت العربي الرهيب إلى نوع من التواطؤ بين الحكومات العربية والبيت الأبيض، فيما ذهب آخرون إلى الزعم بأن معظم دولنا هي مجرد عتلات في أيدي الأمريكان، لا أكثر ولا أقل، إلى آخر القائمة المملة والمكررة من التساؤلات والتكهنات والتخمينات.

لا شك أننا، بالاشتراك مع إعلامنا العربي، طرحنا مثل تلك الأسئلة المبتذلة والساذجة أعلاه مئات المرات، ولا زلنا نطرحها بنفس السذاجة. لكن القليل منا حاول أن يجد أجوبة مقنعة لتلك الأسئلة تستطيع أن تزيل الأوهام من رؤوس السائلين والمتسائلين، وتجلي الأمور. لا أريد أن أبدو هنا وكأنني أبرر الموقف العربي الرسمي المسالم والراكع جداً في تعامله مع الإدارة الأمريكية، لكن لماذا لم يدر في بالنا أن الدول الأقوى من الدول العربية بعشرات المرات سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لم تنبس يوماً ببنت شفة ضد السياسات الأمريكية بشكل عملي، لا بل إنها مستعدة لمسايرة التحركات الأمريكية أينما توجهت؟

هل سمعتم أن بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أو الصين أو روسيا تحركت عملياً لمواجهة الغزو الأمريكي للعراق أو أفغانستان، أو غيره من التصرفات الأمريكية؟ هل تدخلت روسيا في سوريا من دون ضوء أخضر ومباركة أمريكية؟ ربما حاولت أن تشاغب بكثير من الدبلوماسية في الأمم المتحدة على التحركات الأمريكية، وحتى استخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن لم يأت دون تنسيق أمريكي، فمن المعلوم أن الأمريكيين لا يلجؤون إلى مجلس الأمن إذا كانوا مصممين على فعل شيء. وقد لجؤوا للمجلس بخصوص التدخل في سوريا لأنهم لا يريدون أن يتدخلوا، وبالتالي أرادوا أن يظهروا أنهم ملتزمون بالقرارات الدولية. وهم ليسوا كذلك طبعاً.

وكي لا نكابر، لا أحد يستطيع أن يــُقدم على أي خطوة ملموسة لمواجهة الجبروت الأمريكي عملياً، وكأن الدول تقول: من حقنا أن نعارض كلامياً، ومن حق أمريكا أن تفعل ما تشاء. تلك هي طبيعة مواقف الدول الكبرى والصغرى بالأساس من السياسة الأمريكية حتى هذه اللحظة.

وربما دفعتنا السذاجة لطرح مزيد من التساؤلات: لماذا لا تتحد الدول الكبرى أو حتى الصغرى، وتتخذ موقفاً حازماً من البيت الأبيض وسياساته البلطجية وحروبه الاستعمارية، وعندها تستطيع أن تواجه المارد الأمريكي؟ ألا يستطيع حتى الأقزام فيما لو توحدوا أن يشكلوا كتلة تواجه المارد، فكيف إذا توحدت مواقف ثلاث أو أربع دول كبرى؟ سؤال وجيه، لكنه أقرب إلى الخيال والتمنيات منه إلى الواقع، ولن يحدث لأسباب يصعب إحصاؤها.

ماذا تستطيع أن تفعل الدول العربية المسكينة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في وجه العملاق الأمريكي الكاسر إذن؟ فإذا كان الأقوياء غير قادرين على التحرك عملياً، بسبب ضعفهم النسبي، للوقوف في وجه الوحش الأمريكي، فكيف نطلب من دول هزيلة أن تتحرك؟ مستحيل. لقد رحم الله إمراً عرف قدر نفسه. والذين لا يُقدمون على مواجهة اليانكي الأمريكي من الدول لا يفعلون ذلك بدافع التواطؤ، كما قد يتبادر لأذهان للسذج، بل بناء على شعور سياسي غريزي كالذي تتصرف على أساسه الحيوانات في الغابة تماشياً مع قانون الغاب. مليون أرنب وغزال وحمار وجاموس وثعلب لا يستطيعون التصدي لأسد واحد.

لا أبالغ إذا قلت إن سياسة الدول، صغيرها وكبيرها، تشبه إلى حد كبير سياسة الحيوانات. هل رأيتم يوماً نمراً، أو فهداً، أو ذئباً، أو ضبعاً يتصدى للأسد كي يصده عن افتراس غزال، أو أرنب، أو حمار وحشي؟ بالطبع لا. ليس أمام الحيوانات المفترسة الأقل قوة من الأسد إلا أن تبارك سياسته دون أي تعليق أو معارضة، أو تغض الطرف عنها. ثم هل رأيتم يوماً الذئاب والنمور والكلاب والضباع تشكل جبهة لمواجهة الأسد ووقفه عند حده؟ أبداً لا. هل شاهدتم أرنباً يتصدى للثعلب كي يمنعه من افتراس أرنب آخر، أم إنه يلوذ بالهرب خوفاً على جلده؟ إنها سياسة الطبيعة والغريزة.

جميل أن يتوحد الضمير العالمي ضد الجبروت الأمريكي، لكن يجب ألا نضحك على أنفسنا، فالذي يحكم العالم ليس قانون الضمير بل قانون القوة. والمثل الشعبي يقول: الكيلو بدو كيلو ونص. يعني لا يمكن أن يرجح الكفة ضد الكيلو سوى كيلو ونصف. وإذا كنتم تحلمون بظهور قوى جديدة تواجه الهيمنة الأمريكية، فلا تحلموا، فأي قوة جديدة ستتصرف كالأمريكان وربما أسوأ على طريقة شريعة الغاب.

 

 

أضف تعليقك