يواجه المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس الصلفَ الصهيونيَّ والاستكبارَ الأمريكيَّ بجولة جديدة من انتفاضتهم التي بدأت عام 1987م.
هؤلاء المرابطون الذين استجابوا لنداء نبيهم صلى الله عليه وسلم "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها"، وعند مسلم: "لغدوة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" (رواه البخاري)، هم الذين يرابطون اليوم لتحرير القدس من أيدي الصهاينة، ومنْع جيوش الاحتلال وجحافل المغتصبين - المدعومة بالاستكبار الأمريكي والتغافل أو التواطؤ الغربي والشرقي - من تنفيذ مؤامرة "صفقة القرن" التي كانت بدايتها الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل، في وقت أثخنت فيه جراح الانقسام الفلسطيني والنزاع الطائفي والعرقي جسدَ الأمة العربية والإسلامية، وتداعت عليها المشروعات الاستعمارية الشرقية والغربية بزعم محاربة الإرهاب، وهو ما تنبَّأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟! قال: "بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ"، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوَهَن؟ قال: "حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ"، أخرجه أبو داود وأحمد بإسناد جيّد.
إن وحدة الشعب الفلسطيني التي تجلّت في انتفاضة غزة والضفة والقدس وفلسطين 48 هي التي نبّهت العالم، فانعقد مجلس الأمن وواجه أعضاؤه الولايات المتحدة الأمريكية والصهاينة، حتى قال أحدهم "إن لم يرفض مجلس الأمن القرار الأمريكي فإن مجلس الأمن سيصبح أرضًا محتلة"، ولكن الحقيقة أنه أصبح عاجزًا أو غير راغب في إعادة الحق لأهله، وليس لأصحاب الحق إلا أن ينتزعوا حقهم بأنفسهم، وحينئذٍ يعترف بهم مجلس الأمن والأمم المتحدة.
ولولا المظاهرات التي جابت العالم العربي تأييدًا للمرابطين في القدس لَمَا كان هذا الإعلان العربي برفض القرار الأمريكي، ولا بد لهذا الحراك من تصاعد حتى تكون انتفاضة تنهض بها الأمة؛ حكامًا وشعوبًا وجيوشًا لتحرير عاصمة فلسطين (القدس).
ولولا المظاهرات التي عمّت الكثير من دول العالم الإسلامي والتي قامت بها الأقليات العربية والإسلامية في أنحاء العالم مساندة للمرابطين لَمَا كانت الاستجابة لعقد المؤتمر المقرر لمنظمة التعاون الإسلامي اليوم الأربعاء، ولا بد من تصاعد هذه الانتفاضة وتلك المظاهرات بعد هذا "المؤتمر" حتى تتابع الأمة حكامها في استرداد أرضنا المحتلة، وتستكمل الأمة وعيَها ووحدتها لتنهض برسالتها، وتكون بحق خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، حينئذٍ يمكنها أن تبدأ في استرداد الأرض وتحرير القدس، وأول المعروف الذي تؤمر به هو وحدة الصف الفلسطيني والعربي والإسلامي لتحرير القدس وإنقاذ الأقصى، وأول المنكر الذي تنتهي عنه هو كل مودة في العلن أو السر لمن أخرج الفلسطينيين من ديارهم أو من ظاهر على إخراجهم من الشرق أو الغرب.
ومن المعروف الذي تؤمر به الأمة إعداد العدة لمواجهة كل عدوان على أرضنا أو مقدساتنا، ومن المنكر الذي تُنهى عنه كل ظلم أو فساد أو استسلام أو إسراف أو تفريط في مقدرات الأمة وثرواتها (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ...) ( آل عمران - 110).
في هذه الجولة لا بد من تصاعد الحراك الجماهيري على المستويات الثلاثة: الفلسطيني والعربي والإسلامي، ليس فقط لمنع قرار الولايات المتحدة، ولكن لوقف كل عمليات الإحلال وتغيير معالم الأماكن المقدسة في كل أنحاء فلسطين.
إن الأمة الواعية لا تبحث عن وسيط نزيه لن تجده، ولكن تستجلب نصر الله بمقاومتها ووحدة كلمتها وصفها (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران - 103).
أ. د. محمود عزت
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
الأربعاء 25 ربيع أول 1439هـ
الموافق 13 ديسمبر 2017م
أضف تعليقك