حقًا، رب ضارة نافعة. لقد أراد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وإصداره التعليمات لبدء إجراءات نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس تملق اللوبي الصهيوني وقاعدة مؤيديه من الإنجليكانيين الصهاينة، لكن النتيجة الفعلية المباشرة لهذه الخطوة أنها أسهمت في تغيير بيئة الصراع لصالح الفلسطينيين بشكل جذري.
فهذا الإعلان يمنح الفلسطينيين الفرصة لتحسين مكانتهم في الصراع ضد الاحتلال؛ من خلال إحداث تحولات جذرية على بيئته الإقليمية، الداخلية، والدولية.
وفي حال تعاطت قيادة السلطة الفلسطينية بمسؤولية وجدية، فإنه بإمكانها استغلال انعقاد قمة دول منظمة التعاون الإسلامي وجلسة الجامعة العربية في توفير شبكة أمان عربية وإسلامية للثوابت الفلسطينية، ولا سيما في كل ما يتعلق بالقدس، وذلك لتقليص فرص تعاون بعض القوى الإقليمية العربية في التعاون مع ترامب وإسرائيل في محاولة تمرير بعض مشاريع التسوية التي تمس بالحقوق الوطنية الفلسطينية في القدس وبقية ثوابت القضية الفلسطينية.
ويمكن لقيادة السلطة أن تستصدر قرارات من هذين المحفلين تنص على وقوف دولها خلف مطلب السلطة الفلسطينية المتمثل في دولة فلسطينية على كامل الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين، وغيرها من الثوابت.
وتبرز أهمية تحقيق هذا المكسب في أنه يسحب عمليا من التداول مبادرة «السلام العربية» التي ربطت بين حل الصراع والتطبيع مع إسرائيل.
وفي الوقت ذاته، فإن هذا التطور سيسدل الستار على الأفكار التي قدمت مؤخرا بوصفها مبادئ لما يعرف بـ «صفقة القرن»، وضمنها خطة تنص على تدشين دولة فلسطينية مع بقاء المستوطنات وبدون القدس، أو تدشين دولة فلسطينية في شمال سيناء أو الإعلان عن كونفدرالية بين الضفة والأردن تسمح ببقاء المستوطنات تحت السيادة الصهيونية.
إلى جانب ذلك، فإنه بإمكان قيادة السلطة استغلال اجتماعات هذين المحفلين في الحصول على دعم دولهما في اسناد التحركات الفلسطينية في المحافل الدولية، وعلى رأسها المطالبة باعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الجمعية العامة، واستكمال إجراءات تقديم الدعاوى ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية، ولا سيما فيما يتعلق بالاستيطان والجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة خلال الحروب الثلاث الأخيرة.
إلى جانب ذلك، فإن الفلسطينيين بإمكانهم محاولة تمرير قرارات في هذه المحفلين تلزم الدول العربية بعدم التعاون مع الإدارة الأمريكية في كل ما يتعلق بالمبادرات التي تدعي أنها بصدد عرضها لحل الصراع. ويتوجب على القيادة الفلسطينية قبل ذلك قطع التزام أمام الشعب الفلسطيني أمام هذين المحفلين بعدم التجاوب مع أية تحركات أمريكية قبل تراجع ترامب عن قراره.
ونظرا لأن الإدارة الأمريكية تسعى إلى محاولة إقناع قيادات دينية إسلامية بمسوغات قرار الاعتراف بالقدس من خلال مخطط نائب الرئيس الأمريكي مايكل بنيس الالتقاء بعدد من هذه القيادات، فإن الفلسطينيين بإمكانهم التحرك لدى هذه القيادات وإبراز خطورة التجاوب مع المخطط الأمريكي. مع العلم أن إعلان شيخ الأزهر أحمد الطيب رفضه لقاء بنيس ودعوته لاندلاع انتفاضة ثالثة سيجعل مهمة الأمريكيين هذه بالغة الصعوبة.
وفي ظل بروز مظاهر الرفض الجماهيري الفلسطيني والعربي والإسلامي للخطوة التي أقدم عليها ترامب، فإنه سيكون من المستحيل على القوى الإقليمية العربية المتناغمة مع ترامب التحرك لإحباط التحرك الفلسطيني.
وعلى الصعيد الداخلي، فإن تطور حركة الاحتجاجات الجماهيرية على الخطوة الأمريكية إلى مقاومة شعبية تعم المناطق الفلسطينية ستكون التحرك الأكثر تأثيرا على سلطات الاحتلال. فأنماط المقاومة الشعبية تجمع بين ميزتين أساسيتين، وهما: نجاعتها في التشويش على قدرة إسرائيل على إدارة مشروعها الاحتلالي في الضفة والقدس، وفي الوقت ذاته تقلص من مسوغات استخدام جيش الاحتلال القوة المفرطة في التعاطي معها.
أضف تعليقك