• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لا نصاب باليأسِ والإحباطِ والقنوط، ولا نُسلمُ ونستسلمُ ونخضعُ، ولا نقبل ونعترف ونقر, فما حدث ليس قدراً محتوماً، ولا قلماً يكتب التاريخ ويرسم المستقبل، إنما تصريحاتُ مجنون، وأحلام سفيهٍ وتصرفات أهوجٍ، وأقوالُ من يظن أنه ملك الدنيا وحكم العالم، وأنه بجرة قلم أو تغريدةٍ على تويتر، أو بصفقةٍ في السوق أو مغامرةٍ في البورصة، يستطيع أن يبدل صفحات التاريخ وأن يغير معالم الجغرافيا، وأن يستبدل واقعاً ويثبت آخر، وأنه يستطيع أن ينسي الفلسطينيين حقهم، وأن يجرد المسلمين من قدسهم، أو يشطبها من قاموسهم.

نسي هذا الأحمق الأهوج أن القدس آيةٌ في كتاب الله، يتلوها المسلمون آناء الليل وأطراف النهار، يقرأونها في صلاتهم ويتهجدون بها في قيامهم، ويتقربون إلى الله سبحانه وتعالى بذكرها، ويحفظونها صغاراً ولا ينسونها كباراً، ويورثونها لأنفسهم أجداداً لأحفادِ، وأنها مسرى رسولهم من البيت الحرام، ومعراج نبيهم إلى السموات العلى، وقد باركها الله عز وجل لهم, وفيما حولها من أجلهم، وجعل فيها طائفةً من أمته على الحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء في سبيله، وهم على العهد ماضون، يحافظون على قدسهم، ويرابطون في أقصاهم، ويدافعون عن مسجدهم، الذي هو أولى القبلتين وأحد ثلاثة مساجدٍ تشد إليها الرحال، ولهذا فإنهم عنه وعن القدس يدافعون، وفي سبيلهما يضحون بالأرواح والمهج والأموال والولد، لا يفرطون، ومهما طال الزمان لا ينسون ولا يهملون.

هذا الهائج كثورٍ أطلق إلى ساحة مصارعةٍ يجهلها، فبات يتخبط في نفسه، ويضرب ضرب هوجاء في الفضاء عله يصيب خصمه وينال من مصارعه، ونسي أن القدس عربية الأثواب والمعالم والأسماء، عربية الحرف واللسان، عربية البنيان والعمران، فتحها عمرٌ وحررها صلاح، وسكن فيها عليٌ وعمرَّها عثمان، ومشى فوق ترابها شدادٌ وأبو عبيدة، وصال فيها عبادة وسلامة وأبو طلاسة، وبقي فيها المسلمون عهوداً، وشد إليها العربُ الرحالَ عمراً، فكانت لهم فيها حاميةٌ وأبواب, وأقوات وأحباس، ما زالت إلى اليوم تحمل اسمهم وتخلد ذكرهم، وتبقي رغماً عن الاحتلال آثارهم.

لو قدر لهذا المفتون بنفسه, المغرور بقوته, أن ينبش تراب الأرض، وأن يستخرج أجداث الأموات من الآباء والأجداد الذين سبقونا، سيجد أن أديم هذه الأرض هو من تلكم الأجساد الطاهرة المؤمنة، المسلمة الموحدة، وأن تربتها تحتضن رفاتهم، ويسكنها أبطالهم، ويصبغها بالعروبة والإسلام رجالهم، وأن ترابها رطبٌ بدمائهم، معبق بطهرهم، وفيه بقايا من آثارهم، والكثير من علاماتهم، فهي الأرض المقدسة التي فتحوها بعهدتهم العمرية، وهي تلك التي حرروها من الاحتلال الصليبي بالدماء الزكية، وهي نفسها التي طهروها من الغزو المغولي، فبقيت عربية الوجه, إسلامية الهوية والحضارة.

ليس أدل تشبيهاً لهذا الأرعن الأمريكي المأفون، ولا أدق وصفاً له من قول الله عز وجل ” إنه فكر وقدر, فقتل كيف قدر, ثم قتل كيف قدر, ثم نظر ثم عبس وبسر, ثم أدبر واستكبر” وبذات حمق الكفار وعنادهم القديم، وجهلهم وسفههم المعروف، قال: إنها أورشاليم عاصمة إسرائيل الأبدية الموحدة، وبها اعترف عاصمةً، وفيها أعلن أنه سيبني سفارة بلاده، ومنها ستزاول عملها ونشاطها، وقد ظن في نفسه جهلاً أنه البطل دون رؤساء أمريكا السابقين، وأنه الأكثر شجاعة والأصدق وعداً، وما علم أنه سيبوء بالخسران، وسيجد نفسه مضطراً للاذعان إلى الحق، والقبول بالعدل، والنكوص على العقب، وسحب الاعتراف، وسيشهد التاريخ على جهله، وستذكر الأيام مدى سخفه وقلةِ عقله، ونقص خبرته وضحالة تجربته.

لا تنسوا أيها العرب والمسلمون، وأيها الفلسطينيون في الوطن والشتات، أن فلسطين كلها محتلةٌ أرضها، مغتصبةٌ حقوقها، منتهكةٌ مقدساتها، منهوبةٌ أملاكها، أهلها منها مطرودون وفيها لاجئون وعنها مبعدون، وقد اعترفت الولايات المتحدة بالكيان الصهيوني عند تأسيسه في العام 1948، بل كانت أول دولةٍ تعترف به، ولم تكتفِ بالاعتراف بل زودته بالمال والسلاح، والخبرة والرجال، والعلوم والتقنية الحديثة، ليبقى متفوقاً، ويستمر قوياً، ولكن اعترافها الأول به لم يلغِ عروبة القدس، ولم يشطب هويتها الإسلامية ولم يغير معالمها الأصيلة، رغم مساعيه المحمومة ومحاولاته المجنونة، وإجراءاته التهويدية التي لا تتوقف، إلا أن القدس تبقى عصيةً على تهويدهم، وترفض أبداً تغريبهم، وتصر على أن يبقى الضاد لسانها، وأن تصدح بنداءات “الله أكبر” مساجدها، وتتردد فوق قبابه وفي جنباته تلاوةً وتجويداً كلماتُ ربها وآياتُ قرآنها، ذكراً حسناً خالداً أبداً وعد الصدق إلى يوم القيامة.

 

أضف تعليقك