عرفت مصر برنامج الخصخصة من خلال ما سمي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي؛ الذي رضخت مصر فيه لشروط صندوق النقد الدولي. وقد بدأ برنامج الحكومة المصرية للخصخصة في مصر في العام 1991م، بإعلان جمهوري في خطاب للرئيس السابق محمد حسني مبارك؛ بأن الحكومة سوف تتبنى الخصخصة كسياسة رسمية بهدف خلق اتصاد أكثر حرية، وذلك إبان الاحتفال بعيد العمال في الأول من أيار/ مايو 1991. وبناء على ذلك، تم إنشاء مكتب قطاع الأعمال العام في العام 1992، بموجب اتفاقية بين برنامج التنمية للأمم المتحدة (UNDP) والحكومة المصرية، للإشراف على برنامج الخصخصة.. وبات شعار "الدولة تحكم ولا تملك" هو الشعار الذي تتبناه الدولة وتسعى إلى ترسيخه في نفوس الناس، باسم تحقيق التنمية التي لم تعرف بلادنا شمسها منذ انقلاب تموز/ يوليو 1952، وحتى الآن.
وقد شهدت تجربة الخصخصة المصرية فسادا منقطع النظير، وتدميرا لأصول الدولة، فبيعت تلك الأصول بأبخس الأثمان، وتم تسريح الآلاف من العمالة وفق نظام المعاش المبكر الذي استحوذ على نحو 20 في المئة من حصيلة الخصخصة، وهو ما يعد جريمة اقتصادية، لما نتج عنه من بيع خمس الأصول التي تمت خصخصتها من أجل دفع عدد من العاملين إلى صفوف العاطلين؛ مقابل مكافآت أكلها التضخم، وباتت البطالة هي سيد الموقف، وبرز استغلال رجال الأعمال للعمال تحت تأييد الدولة وقوانينها، بل إن المفسدين قبل أن يبدأوا برنامج الخصخصة؛ امتدت أيديهم لتصفية شركات توظيف الأموال الإسلامية، حتى لا يكون لها دور في مزاحمتهم في برنامج الخصخصة.
وقد انتهى عهد مبارك وانتهت معه الخصخصة، ولكن بعد حصاد مر من الفساد؛ تم فيه بيع 413 شركة بحصيلة 56.962 مليون جنيه ذهبت هباء منثورا في دواليب الفساد. ولما جاءت ثورة يناير 2011، وتولى الرئيس مرسي السلطة، توقف برنامج الخصخصة، وبدا اهتمام نحو تنمية القطاع العام، مع فتح المجال للقطاع الخاص ليقود قاطرة التنمية، ولكن الانقلابيين لم يمكنوه من تحقيق أهدافه، فجاء السيسي ليبيع مصر، فباع تيران وصنافير للسعودية، وتنازل عن حقول غاز مصرية لقبرص واليونان والكيان الصهيوني، طمعا في الاعتراف بشرعيته. ولم يكفه ذلك، فتوجه إلى عودة برنامج الخصخصة من جديد تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي، وباسم الإصلاح الاقتصادي أيضا، للتخلص مما تبقى من أصول وشركات مصرية. وفي هذا الإطار، توقعت شركة "إن آي كابيتال"، المستشار المالي الحصري لبرنامج الطروحات الحكومية، أن يتم طرح 30 شركة حكومية في البورصة المصرية خلال العامين المقبلين، وفقا لتصريحات أشرف الغزالي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة، حيث ذكر أن الشركات المقرر طرحها تتضمن من 10 إلى 12 شركة من الشركات ذات الحجم الكبير. ومن المنتظر أن يكون طرح الشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية (إنبي) في البورصة المصرية؛ هو الأول ضمن برنامج الطروحات الحكومية، والذي من المتوقع أن يتم خلال العام المقبل، على أن يليه طرح بنك القاهرة خلال النصف الأول من العام المقبل.
إن السيسي ونظامه لم يكتف بالتفريط في الأرض والموارد، بل رفع الدعم عن السلع الأساسية، وحمّل الأجيال الحالية والمستقبلية ديونا لا قبل لهم بها، وما أموال بيع الشركات التي يخطط لبيعها إلا جزء من فاتورة سداد أعباء الدين العام المطلوب سدادها العام القادم - حيث تقدر هذه الأعباء بنحو 12 مليار دولار - وحلقة في سلسة الإفساد الاقتصادي، وزيادة البطالة، والقضاء على أي فرص للنمو في الاقتصاد المصري؛ الذي هو في أشد الحاجة للبقاء على ما تبقى من قطاع الأعمال العام، واستبدال خصخصة البيع بخصخصة الإدارة، من خلال إسناد تلك الشركات لإدارة محترفة؛ تنتقل بها إلى التطوير والازدهار والربحية، مع التأكيد في الوقت نفسه على أن الخصخصة ليست في كل نماذجها شر، بل فيها نماذج كانت منطلقا للتنمية، كما في تركيا، لما صاحبها من شفافية وإفصاح والتعامل مع صندوق النقد الدولي، وفق المصالح المتبادلة، لا الخنوع، كما في الحالة المصرية. ويمكن القول إن التنمية في مصر ينبغي أن تعتمد على القطاع الخاص كقطار لها، مع عدم التفريط في ميراث القطاع العام، إلا إذا ثبت كون بعض شركاته عبئا ولا فائدة منها، وهذا مرهون بوجود حرية سياسية واقتصادي،ة وإدارة رشيدة ونزيهة وشفافة، ولا تعرف للتفريط في تراب الوطن أو موارده ومقدراته سبيلا.
أضف تعليقك