كنت أبحث في السيرة النبوية عن مسارح موسيقية، نسبها محمد بن سلمان لعهد النبوة في حديثه مع المصلح السياسي للشرق الأوسط توماس فريدمان، متودداً متقرباً، فلم أقع سوى على قيان العصر الجاهلي.
وكنت أحمد الله أني عشت إلى اليوم الذي صارت في بلادنا العرب سجونا أرقى من سجون اليابان، وهولندا، والنروج الغاشمة، فالسجن الذي سجن فيه الأمراء وُصف بالذهبي، والناس ليسوا سواسية كأسنان المشط على ما يظهر في الديار المقدسة. فريتز كارلتون السعودية من فئة سبعة نجوم، والليلة الواحدة تكلف 800 دولار، وإذا بقي الأمراء مسجونين، فسيدفعون ثروتهم كلها لقاء الإقامة الإجبارية السعيدة فيه. وأشكر ابن سلمان على العدل، فالفاسدون يعاقَبون بحسم ثلث الثروة، وليس بالتقطيع من الأطراف، أو الصلب، أو النفي، كما تنص الشريعة في بلاد وحيدة تطبق الشريعة خير تطبيق..
.. إلى أن حدثت مذبحة الروضة الصوفية، فسرقتني من أخبار الأمراء، وهي لم تقع لصرف الأنظار عن هزيمة الحريري لابن سلمان في حومة لبنان، فسأل السائل: لمَ غير داعش نهجه؟ بعدما أوشك على الاندحار في سوريا، ووسع أعمال شركته في مصر، وبدأ بهجومه على المساجد؟ فجاء الجواب المجتهد بالنيابة عنهم: إن الأصل في جهاد داعش هو المسلمون.. داعش مختص بحروب الردة، وأنهم يجدون الصوفية مشركين ومشتركين مع السلطات، وروّاد الحانات ضالين. وقد ذكّرتني الخطوب بالتفجيرات التي وقعت في الغرب قبل سنتين، فكانت جثة الجاني تتمزق أشلاء، وبجانبها جواز سفر سوري، ناصعا سالما، لم يصبه ضرر!
ومثل ذلك البلاغ الإعلامي العسكري المصري، الذي زعم أنه دمّر عربتين للإرهابيين؛ وعليها علم داعش يرفرف في الصحراء المكشوفة كراحة اليد، وينادي الطائرات، ويقول: اقصفونا يا أهل الله يا اللي هنا، وفيها ما بين خمس وعشرين إلى ثلاثين إرهابيا، فكيف لو كانت معارك البطل المظفر قاهر الإرهابيين الجذاب، في غابات مثل غابات فيتنام؟!
وذكّرنا أصحاب الخير بأن فرقاً لشرطة مصر وخير أجناد الأرض، وهي فرق غير فرق مكافحة إرهاب الجمبري وبقية مذاهب السمك، كانت تتدرب على مجسم لمسجد، في فيلم مشهور، وقد جاء وقت التنفيذ.
هل السيسي جذّاب؟ نعم لقد وقعت رئاسة الكنيسة القبطية والنخبة المصرية والغرب في دباديب حبه.. أغروه بالانقلاب، ومهدوا له الطريق إلى عرش فرعون مصر، فهم يحبون الفراعنة. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران قد استقبل مومياء فرعون موسى، رمسيس التاني، استقبال الرؤساء، وذلك لفحصها كيماويا، فلنتخيل أن رفات عبد الرحمن الغافقي، أو أحد شهداء بواتييه بلاط الشهداء، عادت إلى المغرب، فكيف كان سيعاملها رئيس فرنسا؟
المهم أن السيسي قدم عرضاً دموياً على الهواء، في معركة بلاط الشهداء المصرية، وهم عزّل سوى من بعض الصواريخ الكيماوية والنووية، فسعد به الغرب، والنخبة العسكرية والعلمانية. كان نصف شعب مصر مجتمعاً في رابعة، إن لم يكن فعلاً، فرمزاً، فهجم عليها السيسي بالنار والنهار، وهم يصلون صلاة الفجر، بالقناصة والجرافات، وكان أن قتل عدداً لا يعلمه أحد حتى الآن.. فهم بين خمسة آلاف، حسب منظمات شعبية، وعدّة مئات، حسب منظمات حكومية، بعدها رسخ سيسي شرعية جديدة، هي شرعية الدم. ويقال إن السيسي كان من أرقِّ أعضاء المجلس العسكري وألطفهم، إذ تقول تسريبات أن أعضاء المجلس العسكري أبدوا رغبة في قتل 13 ألفاً، لولا أن السيسي الرحيم العطوف قال: حرام خمسة تكفي، ما يصحش كده.
رابعة كانت معركة التأسيس، وما يليها من مذابح في الكنائس والأسواق؛ هي لزوم العيش في العرش، والجاذبية الغاشمة.
لم تصبح مصر خالية من الإرهاب خلال أيام، كما وعدت مؤسسات الرئاسة المصرية الفرعونية، فالذئب أدمن طعم الدم، وهذه المرة الضحايا من الصوفية، أو هكذا تروج وسائل الإعلام لتلبيس إبليس، وإشعال فتنة بين مذاهب المسلمين وقبائلهم.
لم يقتل السيسي هذه المرة جنوده. ويذهب تأويل إلى أن قتل الجنود سيكون مهيناً له، المدنيون، مسلمين وأقباطا، أكثر دراً للعاطفة غير الغاشمة.
وجدير بالذكر أن إيران ليست وحدها التي تزور ترجمة كلمات الرؤساء السنّة، كما فعلت مع مرسي وأردوغان، فمصر تفعل كذلك، وتزور خطابات رئيسها، مع أن الخطاب بالعربية وباللهجة المصرية، فالقوة الغاشمة تحولت في الصحافة المصرية إلى الحاسمة كما في صحيفة الأهرام. وقام بسام راضي، الناطق باسم الرئاسة، بفلترة كلام السيسي المفلتر أصلا ثلاث مرات بالصدق والحق والأمانة، بالقول: إن المقصود بالغاشمة هي الشريفة.. فزاد الطين بلة أو بلوة. وليست هذه هي المرة الأولى التي يغشم فيها الغشوم، فعند قتل النائب العام هشام بركات، قال الغاشم الجذاب: يد العدالة مغلولة، وقد صدق فيما قال. وإذا ترجمنا قول السيسي، يصبح القول: يد الظلم فالتة.
كنا في المقارنة، وقد وقعت رابعة أمام العدسات لتأكيد الغرض منها؛ وهو التطهير المسرحي والشماتة والتنكيل، على الطريقة السورية. وأعملت الجرافات أنيابها في لحوم المتظاهرين، وفي صورة مرسي المنتخب، وقد سكت الغرب وصفق سراً للعرض المسرحي الدموي.. وكأن المصور يصور فيلماً من أفلام الأكشن، والعدالة الشاعرية. وأحرقت الجثث، واصطاد القناصون الأطفال والنساء، والمسعفين وهم يسعفون الجرحى. وكلا المذبحتين جرتا في مساجد، وقد جعلت الأرض مسجداً. وكان خاشقجي قد سخر من وصف السيسي لقوته بالغاشمة، وتساءل عن غياب مثقفين يكتبون له خطبه. والسيد الخاشقجي لا يعلم أنه طبيب وفيلسوف، فهل سيكتب مثقفون عاديون خطباً لفيلسوف مثل السيسي؟ ما يصحش كده..
وقد تلقى الغاشم العزاء من الأمم والملوك، بما فيها إسرائيل، أما رئيس تركيا، فعزى أهل الضحايا، وليس قائد الانقلاب. وخيل إليَّ أن السيسي، وهو يلقي الكلمة إثر المذبحة، يقرأ من جهاز أوتو كيو، وإن كان يتجنب الفصحى. ومن التأويلات، أن ذا القرنين يرمي أيضاً إلى تفريغ سيناء، وجباية شرعيتي الضحية والجاني معا، والتمهيد لصفقة القرن، وأن سيناء، الأرض التي كلّم فيها موسى ربه تكليماً، مهددة.
أما مرسي وعينه اليسرى التي لم يعد يبصر بها، فليس في الميزان والحسبان.
أضف تعليقك