في اللحظة التي يتجوّل فيها صحافي صهيوني، من الرياض إلى المدينة المنورة، بدعوة رسمية، أو على الأقل دعوة شخصية بموافقة رسمية، تتسع قوائم الإرهاب الخاصة بالسعودية، وتوابعها من عرب التطبيع، لتشمل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وحزب الله، أحد العناوين الأساسية في مشروع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
هذا يعني، ببساطة، أن تل أبيب لم تعد العاصمة الوحيدة للقرار السياسي الإسرائيلي، وأننا دخلنا في عصر الهيمنة الصهيونية الكاملة على القرار الرسمي العربي، بحيث بات السباق الآن على من يفوز بخدمة إسرائيل أكثر، ويظهر تفانياً في النضال من أجل مشروعها، من النيل إلى الفرات، بعد مرور أربعين عاماً على تدشين أنور السادات مشروع التبعية الشاملة.
المتاح من معلومات تخص صفقة القرن يكشف أن المسألة بالنسبة للعواصم المندفعة في طريق التطبيع والتطويع تتجاوز كونها انتهازية سياسية، تتوخّى تأمين عروش، وضمان صعود إلى السلطة، إلى حالةٍ من الاندماج التام، والانسحاق الكامل، مع الفكرة الإسرائيلية، حتى بات الوجدان واحداً، واللسان أيضاً، وهي الحالة التي انتقلت بالعدوى من نظام عبد الفتاح السيسي إلى شركائه من الأنظمة العربية التي أخذت على عاتقها محاربة كل أشكال مقاومة الاحتلال، ومناهضة الطغيان الذي يحكم الشعوب بالحديد والنار.
يُفرط هؤلاء في استخدام القتل والقمع والإرهاب السلطوي ضد الشعوب، لكي يحرقوا داخل المواطن العربي كل يقين بحتمية المقاومة وإمكانيتها وجدواها، وصولاً إلى لحظة الاستسلام التام وتنزيل الأعلام، تلك اللحظة التي يسعون إليها منذ "أوسلو" اللعينة، وكما عبر عنها في ذلك الوقت شاعر فلسطين، محمود درويش، حين صرخ بصوت ذبيح:
من سينزل أعلامنا: نحن أم هم؟
ومن سوف يتلو علينا معاهدة الصلح يا ملك الاحتضار؟
كل شىء معد سلفا، من سينزع أسماءنا
عن هويتنا: أنتم أم هم؟
على أن هذا لم يتحقق، ونبتت للمقاومة العربية سنابل، وطرحت يقيناً متجدّداً بالمقاومة، بوصفها ضرورة وجودية، سلاحاً للبقاء على قيد الحياة، لأننا، وكما قال محمود درويش نفسه "لم نعد قادرين على اليأس أكثر مما يئسنا".
هم يسرعون الخطى نحو اجتثاث كل معالم المقاومة، ليس بنزع سلاحها فقط، وإنما بإحراق بذورها المطمورة داخل الوجدان العربي، بدفع المواطن دفعاً إلى الكفر بإمكانية التغيير والتحرير. ولذلك كل عناوين المقاومة مطلوب طمسها، وتسميتها إرهاباً، من أصغر طفلٍ يتهجّى أبجدية الحجر الفلسطيني، إلى أصغر شاب يغني للحرية وللثورة على جدران "السوشيال ميديا"، مروراً بحزب الله وحركة حماس، وكل من لا ترضى عنه إسرائيل.
مجدّداً، يمكنك أن تقول ما تشاء في حزب الله، من جهة دعمه جرائم بشار الأسد ضد الشعب السوري.. من حقك أن تطالب بمحاكمته ومحاسبته على هذه الجرائم، وأن تصب لعناتك على الخائضين في الدماء السورية، والمتخندقين في طائفية شريرة.
غير أن هذا كله لا يجب أن يكون تجاهلاً لحقائق تاريخية ومرتكزات استراتيجية أخرى، في مقدمتها أن لحزب الله رصيداً كبيراً في بنك مقاومة الاحتلال الصهيوني، وأنه في فترات الموات الرسمي العربي كان نبض حياة وعلامة صمود ومقاومة، وأنه، مع حركات المقاومة الفلسطينية، دفعا ثمناً، نيابة عن كل مواطن عربي يحتفظ بالفطرة السليمة، ويتشبث بالحق في حلم الانتصار والتحرير، ويعي جوهر الحكاية من دون تشويش أو تشويه.
وليس معنى أنك ترفض تورّط حزب الله في قتل الثورة السورية، أن تصطف مع اللائحة الإسرائيلية، وتطلب إعدامه، بوصفه حركة مقاومة، سابقاً ولاحقاً، خصوصاً عندما يصدر هذا التصنيف من "عرب إسرائيل الرسميين"، واستجابة للإملاءات الأميركية والصهيونية التي تسبغ رعاية شاملة لمن يرتكبون جرائم بحق المواطن العربي، لا تقل فظاعةً عن جرائم نظام الأسد، مدعوماً من حزب الله.
من هنا، يبقى غريباً وصادماً أن يُنحي أحد باللائمة على حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) حين تبدي ممانعتها لاعتبار طليعة المقاومة اللبنانية على مدار عقود مضت حركة إرهابية، لأن الشاهد أنه في اللحظة التي تقبل فيها "حماس" تسمية حزب الله إرهاباً، فإنها تصنّف نفسها، هي الأخرى، حركة إرهابية، وتمنح المبرّر لعرب التطبيع، لكي يعتبروا مشروعها للمقاومة إرهاباً، في ظل هذه اللوثة التي أصابت رباعي الأجندة الإسرائيلية الذي يخوض، نيابة عن تل أبيب، حرباً وضيعةً ضد كل مشاريع الممانعة، ورفض الدخول في الحظيرة الصهيونية، ومقاومة السقوط في أوحال صفقة القرن
أضف تعليقك