• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

المتأمل والمتابع للواقع الذي نعيشه ونشهده، ربما يُصاب بالذهول، لسرعة الأحداث وتداخلها، ولعدم الوعي بنتيجة تلك الممارسات التي ستؤدي، لا محالة، لتحول جذري في المنطقة العربية لمصلحة أعدائها، بما يصب في صالح الكيان الصهيوني بأيد عربية لا غير!

ولعل تصريح وزير الخارجية القطري، "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني"، في مؤتمره الصحفي يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، خير دليل على ذلك، حيث يقول:

-"إن هناك لاعبين إقليميين يقومون بلعبة خطرة دون استراتيجية واضحة".

-و"هناك رغبة من السعودية والإمارات في إجبار قطر على التسليم".

-وأن "الشرق الأوسط تحول من منطقة تنوير إلى مركز للقلاقل".

-و"الحكمة بدأت تزول، وهناك من يقامر بحياة شعوب المنطقة". 
  
هناك تعزيز لفرض انتقال السلطة في السعودية وإعادة تشكيل المنطقة؛ تمثّل ذلك في الضغط على رئيس الحكومة اللبنانية


وإذا نظرنا إلى المشهد السياسي في تطوراته الأخيرة في السعودية، مثلا، التي تقود المنطقة إلى الهاوية في هذه الآونة، نجد أن هناك تعزيزا لفرض انتقال السلطة وإعادة تشكيل المنطقة؛ تمثّل ذلك في الضغط على رئيس الحكومة اللبنانية، "سعد الحريري"، لتقديم استقالته التي أعلنها من الرياض.. وهذا أمر مستغرب؛ أن يتقدّم رئيس حكومة باستقالته عبر الإعلام في بلد آخر، وليس في بلده ولرئيس دولته! ولكنه علّقها ، بطلب من رئيس الجمهورية "ميشال عون"، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، حينما عاد إلى لبنان.

وبقدر ما أثارت الاستقالة انتقادات إيران وحلفائها، بوصفها موجهة ضدهم، عدّها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمنزلة "جرس إنذار" للتصدّي لمحاولات إيران السيطرة على الشرق الأوسط. وبعد ذلك، جاءت حملة والاعتقالات والتوقيف التي شملت أمراء ووزراء سعوديين حاليين وسابقين ورجال أعمال معروفين، بتهم فساد، كخطوة أخرى كبيرة باتجاه تعزيز قبضة ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، على مفاصل السلطة، وهو الذي يقود تيارا سعوديا متشدّدا ضد إيران، ومنفتحا على التعاون مع إسرائيل!

وجاء رد الفعل الإيراني، في التو، بإطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا باتجاه الرياض، كردٍ على التصعيد السعودي ضدها، مع أن الصاروخ لم يخلِّف أضرارا تُذكر، لوقوعه في منطقة خالية في حرم مطار الملك خالد. ومع أن إطلاق صواريخ من اليمن باتجاه السعودية تكرّر في الآونة الأخيرة، فإنّها المرة الأولى التي يصل فيها صاروخ من هذا النوع إلى الرياض. وأدى إلى اجتماع طارئ لوزراء خارجية الجامعة العربية في القاهرة، بدعوة من السعودية، وأدانوا هذا الفعل بالكلام والتصريحات الرنّانة، كما عودونا.

كل ذلك جاء بعد جولة غير معلنة في المنطقة؛ قام بها "جاريد كوشنير"، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رافقته فيها نائبة مستشار الأمن القومي، "دينا باول"، ومبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط، "جايسون غرينبلات". وقد شملت زيارة الوفد الأمريكي السعودية والأردن ومصر والضفة الغربية وإسرائيل، في تحركٍ أمريكي يبدو أنه يأتي لكسر الجمود فيما يسمى "عملية السلام"، وبما يسمح بحصول تنسيق بين الدول المسماة "الاعتدال" العربية وإسرائيل؛ لمواجهة إيران! 
  

مع ارتفاع نبرة التصعيد مع إيران وحزب الله، وتزايد المؤشرات على تقارب (خليجي – إسرائيلي) لمواجهة النفوذ الإيراني، تتنامى حدة التهديدات نحو قطر


ومع ارتفاع نبرة التصعيد مع إيران وحزب الله، وتزايد المؤشرات على تقارب (خليجي – إسرائيلي) برعاية أمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني، تستمر الأزمة الخليجية، وتتنامى حدة التهديدات نحو قطر التي تخضع لحصار تقوده السعودية منذ أكثر من خمسة أشهر!

واللافت أيضا أن البحرين تقود عملية التصعيد مع قطر، خلال الفترة الأخيرة، بإيعاز من السعودية، إذ طالبت بتعليق عضوية قطر في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهدّدت بأنها لن تحضر أي قمة خليجية تحضرها قطر، ما لم تستجب (قطر) لشروط رباعية الحصار، كما أعادت البحرين فرض تأشيرة دخول على القطريين الراغبين في دخول أراضيها، في خرق للاتفاقيات الناظمة لتنقل المواطنين بين دول مجلس التعاون، كما عادت البحرين تتحدث عن مزاعم تاريخية في أراضٍ قطرية، تمّ حل الخلافات بشأنها بين البلدين؛ بعضها بطرق ثنائية، وبعضها عن طريق التزام الدولتين بالتحكيم الدولي، وهو ما يبدو أنه محاولة جديدة لإيجاد ذريعة لرفع مستوى التصعيد مع قطر، من مدخل الخلافات الحدودية.

والأسئلة المطروحة في هذا السياق: ماذا تعني إذن هذه التطورات كلها؟ وهل تصبُّ، كما يبدو في إطار توجه شامل تقوده واشنطن، وتسير به السعودية لمحاصرة إيران، وإعادة تشكيل المشهد الإقليمي في المنطقة وإحداث تحولات جذرية لخدمة إسرائيل؟! وما هو مصير الشعوب من هذه التحركات، هل تكتفي بدور المشاهد والمتابع فقط، أم يكون لها دور في تغيير المعادلة؟

من العدو الحقيقي إذن؟!

يبدو في النهاية أن التطورات الأخيرة التي تشكل السعودية محورها، محاولة لإعادة رسم المشهد الإقليمي، بطريقة تؤدي إلى عزل إيران، ومنعها من تعزيز نفوذها في المنطقة، ويبدو أن هذا التوجه يتم بالتنسيق مع إدارة ترامب وإسرائيل، وقد أخذ يتسارع بصورة كبيرة، مع اتضاح نتيجة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية؛ وهزيمته في سوريا والعراق.

لكن تجربة اليمن تثبت أن استراتيجيات التأزيم تجري بموجب سيناريوهات متفائلة، غالبا ما تبالغ في تقدير القوة الذاتية، كما أن عزل إيران واحتواءها لن يبدو بالسهولة التي يجري ترويجها، في ظل تعزيز التقارب بين إيران وتركيا، واتجاه العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة إلى مزيدٍ من التدهور؛ والذي ستنعكس آثاره على شكل دعم روسي متزايد لمواقف الدول المناوئة للسياسات الأمريكية في المنطقة. ويبدو أن الغائب في هذه المرحلة؛ دور القوى العقلانية، سواء أكانت إقليمية أم دولية، والتي تتجه نحو الحوار وترفض التصعيد! 
  

يظهر في المشهد الآن أن العدو الحقيقي بالنسبة لدول ما يُسمى "الاعتدال" هو إيران، وليس إسرائيل


ويظهر في المشهد الآن أن العدو الحقيقي بالنسبة لدول ما يُسمى "الاعتدال" هو إيران، وليس إسرائيل، وهذا ما نلمسه من التحركات الأخيرة في السعودية. ولعل محاولة السيسي لتمييع دور الجيش المصري؛ دليل آخر، على هذه النتيجة، فنجد أن هناك جهودا حثيثة لتغيير عقيدة الجيش المصري. فبدلا من الاستعداد لمواجهة العدو الذي يتربص بالمنطقة ليل نهار، ينصرف الجيش المصري عن مهمته الأساسية القتالية إلى مصانع للصلصة، ومزارع للسمك والجمبري، ودار مناسبات وفنادق، وسمسار للأراضي، ومقاول مشروعات، وتاجر عملة، ومصانع للمكرونة والكعك. والأدهى من ذلك كله، أنه تحول إلى مليشيات ضد شعبه؛ يوجه سلاحه للداخل، وليس لديه أي مانع في القتل بدم بارد كل من يعارض السيسي بشكل مباشر؛ بحجج واهية وأسانيد باطلة. كل ذلك لتهيئة المنطقة، وبوتيرة متسارعة، لما يُسمى بصفقة القرن!

أضف تعليقك