هل اقتربنا من نهاية التاريخ العربي، ونحن نعيش الكوميديا، أو الملهاة العربية الكبرى، ونقترب من ذروتها الدرامية، حيث يتهيأ "شمشون"، الجالس على العرش في غير بلد عربي، لهدم المعبد على رؤوس الجميع؟ تدفع إلى طرح السؤال الأحداث المتتابعة، والمتسارعة التي يشهدها العالم العربي، منذ أزيد من ربع قرن، وهو وقت قصير في تاريخ الأمم، وذلك عندما غزا "شمشون العراق"، صدام حسين، في العام 1990 بلدا عربيا عضوا في جامعة الدول العربية، وفي الأمم المتحدة، وهو دولة الكويت، واحتلالها، وإعلانها محافظة عراقية. وكان ذلك أول معول هدم يُضرب في الكيان الذي كان يعرف بالأمة العربية التي وقفت مذهولة وعاجزة أمام ما جرى.
لم يكن يدور في خلد "شمشون العراق" أنه لا يضرب المعول في الكيان العربي فقط، بل يضرب معول الهدم في قلب بلده العراق، وهو أحد نماذج الدولة القومية العربية، وهو ما وقع فعلا في العام 2003، بالغزو الأميركى للعراق، وتغيير النسق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للدولة العراقية. ولم يكن ذلك يسيرا، بل استغرق قرابة 15 عاماً، وما زال مستمرا.
كانت تلك بداية النهاية للفصل الأخير في تاريخ الأمة العربية الحديث، والذي بدأ مع انهيار "تصدعت المنطقة العربية سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا واقتصاديًا واختلت كل التوازنات الإقليمية" آخر دول الخلافة الإسلامية، الإمبراطورية العثمانية، وبداية تشكل الدول القطرية القومية على أساس خطة سايكس-بيكو في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ثم ظهور أفكار القومية العربية، والوحدة العربية، والبعث العربي، وغيرها، ثم تبلورت هذه الأفكار في إنشاء كيان هلامي، هو جامعة الدول العربية من الدول العربية السبع المستقلة في عام 1945، التي تطورت عددياً، وهي تضم 22 دولة حالياً، لكن أحداً منا لم يدرك، في الوقت المناسب، أن تلك كانت بداية النهاية.
وإذا كان سقوط العراق في 2003 قد تم على يد الولايات المتحدة الأميركية وتحالفها الدولي الغربي، فإن ما جرى بعد ذلك وما زال يجري بتسارع غريب إنما يتم على أيدينا نحن العرب. سقطت سوريا وتمزقت، وتحولت إلى ساحة صراعات المصالح الإقليمية، والدولية، في ظل غياب عربي مذهل. سقطت ليبيا وتمزقت، وتعود بسرعة هائلة إلى ما كانت عليه فى بداية خمسينيات القرن الماضي، أقاليم ثلاثة منفصلة، قبل أن تتوحد تحت ولاية الملك إدريس السنوسي. وسقط اليمن وتمزق، وأصبح ساحة لصراع إقليمى جيوسياسي متعدّد الأطراف، وهو مهدد بالانقسام إلى شظايا، ناهيك عن المأساة الإنسانية المروّعة التى يعيشها أبناء اليمن الذي كان "سعيدًا".
وعلى الرغم من أن الأمر وصل إلى حد أن عربا كونوا تحالفاتٍ لقتال عربٍ آخرين، وأن المنطقة العربية كلها تصدعت سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا واقتصاديًا، واختلت كل التوازنات الإقليمية، إلا أن ذلك كله يبدو أنه لم يكن كافيًا، أو أن معدل التسارع في الاتجاه نحو النهاية لم يكن مرضيًا للقوى العالمية والخفية التي تريد وضع نهاية للتاريخ العربي الحديث، فكان لا بد من تسريع معدل الهدم. وهو ما بدأ في توقيت مثير للدهشة، سواء كان مخططاً أو جاء بشكل عفوي، وهو يوم 5 يونيو، بما يمثله من ذكرى أسوأ هزيمة عربية معاصرة على يد العدو التاريخي للأمة العربية، والذي يستهدف وجودها، العدو الصهيوني، ولا تزال آثارها قائمة.
في ذلك اليوم.. 5 يونيو 2017 اتخذت أربع دول عربية، منها دولتان مؤسستان لجامعة الدول العربية، مصر والسعودية، ودولتان مؤسستان لمجلس التعاون الخليجي، الإمارات والبحرين، موقفًا حادًا من دولة عربية خامسة هي قطر، وهي أيضا من الدول المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي. خلاصة الموقف أن قطر دولة عربية مارقة، وتدعم الإرهاب، وتتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولها علاقات حميمة مع إيران، الدولة الأوْلى بالعداء العربي. والأهم والأخطر أن لدى قطر وسائل إعلام مؤثرة في الرأي العام العربي، تخالف توجهات تلك الدول الأربع. وبدأت الأزمة المعروفة بحصار قطر أو مقاطعتها.
وهكذا تمزّق مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وانقسم العالم العربي، وتمزق أمام تلك الأزمة المستمرة تداعياتها.
وتستمر الملهاة العربية في فصلها الذي قد يكون الأخير، دولة عربية نظامها قائم على التوافقية السياسية والطائفية، وهي لبنان، فجأة وفي تصرف غير مسبوق، يغادر رئيس حكومتها عاصمته بيروت، ويذهب إلى الرياض ويعلن في هذه -في رسالة متلفزة- تقديم استقالته، لاختلافه مع أطراف التوافق، وأنه قرّر الخروج إلى الرياض لإعلان الاستقالة خوفًا على حياته وأسرته.
ويُصاب الجميع بالدهشة، وفي مقدمتهم الشعب اللبناني، والرؤساء اللبنانيون وهم كُثر، ثم يُغادر الرياض إلى باريس، بعد تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتبقى الأزمة قائمة في لبنان.
وهذا رئيس الشرعية اليمنية عبد ربه منصور هادي، ومن أجل تلك الشرعية انطلقت عاصفة الحزم الشهيرة بحرب اليمن منذ نحو ثلاث سنوات، ولا يزال مقيماً في الرياض، وليس في وسعه العودة إلى اليمن ليمارس مهام سلطته، بينما الحوثي وصالح المنقلبون على شرعية هادي قابعون في العاصمة صنعاء.
تلك نماذج أو مشاهد من الملهاة العربية، ولعلها المشاهد الأكثر وضوحاً، بينما تجري باقي -"تستمر الملهاة العربية في فصلها الذي قد يكون الأخير"- المشاهد في صمت وهدوء، بعيدًا عن أضواء المسرح.
أما الأحوال الداخلية لدولنا العربية المتهالكة، فاحترامًا لمبدأ عدم التدخل في شئونها الداخلية، والذي يمثل حساسية خاصة لأصحاب الجلالة والفخامة والسمو، لا يتم التعرض لها هنا.
وتكفي الإشارة إلى ما هو مُعلن.. ولعل الأكثر وضوحًا ما تشهده إحدى أكبر الأسر الحاكمة في جزيرة العرب -الأسرة السعودية المالكة- من صراع وتصدع، وصل إلى كبار الأمراء، ومنهم أولياء عهد سابقون وأبناء ملوك راحلين.
إضافة إلى ما تشهده المملكة من تطورات بالغة الحدة وغير مسبوقة، مثلت صدمة عنيفة لقطاعات كبيرة من المجتمع ذي الطبيعة الخاصة.
أخيرا، يجتمع مجلس وزراء جامعة الدول العربية، بدعوة من السعودية والبحرين لبحث "تدخلات إيران" فى الشأن العربي، وينتهى الاجتماع ببيان طلب من إيران الكف عن تدخلاتها، والتوقف عن دعم الجماعات الموالية لها، وهي الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان (تم وصفه إرهابيا) وكذا الجماعات المعارضة في البحرين، وإذا لم تكف عن ذلك فسيكون للجامعة موقف آخر أكثر حسماً، وهو تقديم شكوى ضد إيران في مجلس الأمن الدولي.
إلى متى تستمر تلك الملهاة أو الكوميديا العربية؟ ويجاهر العدو الإسرائيلي بعلاقاته الوثيقة بدول عربية سنية رئيسية تمثل الاعتدال في مقدمتها العربية السعودية، حسب قول أحد وزرائه.. هل سنشهد يومًا تعلن فيه إسرائيل أنها تطلب الانضمام إلى جامعة الدول العربية لتقود العمل العربي ضد العدو الرئيسي المشترك "إيران"؟
أضف تعليقك