بنشر صورة النّاشطة السّياسيّة «إسراء عبد الفتاح»، بـ «المايوه»، فإنّ إعلام دولة الانقلاب العسكريّ في مصر، يكون قد عبّر عن انحطاطه، وهو لم يقصر، لأنّه دائم التعبير عن المُستوى الذي انحدر إليه!
فقد استيقظ النّاس في بلدي، قبل أيّام على صورة النّاشطة المذكورة، منشورةً في أكثرَ من موقع، على نحو له دلالةٌ بأنّ «مصدر» هذه الصّور واحد، وأنّ النشر كان على قاعدة التّعاون في الهدف، فلم تأخذ هذه المواقع الأمر بمبدأ التّنافس المهنيّ، ولم يُعلِن أيٌّ من هذه المواقع الصحفيّة أنّه صاحب السبق وأنّ المواقع الأخرى قامت بالسطو على سبقه.
إسراء عبد الفتاح هي ناشطة، بدأت نضالها السّياسيّ بالدعوة التي أطلقها مجموعة من الشّباب في فترة الحراك السّياسيّ في عهد مبارك، بالإضراب عن العمل في اليوم الذي حدّده عمّال المحلّة لذلك، وإذ تمّ إلقاء القبض عليها، مع آخرين، فقد وجدت الأجهزة الأمنيّة أنّها الأَولى بالتقديم الإعلاميّ، لأنّها حديثة عهدٍ بالسّياسة، ولأنّها كانت مُنهارة تماماً، مع كلّ قرار بتجديد الحبس لها من قبل النّيابة، وهو ما أزعج مُحاميها، الذي قام بتَبْكِيتها لأنّ الرأي العام ينظر لها في الخارج على أنّها بطلة، وأنّها تبدّد هذه النّظرة بهذا الانهيار!
بَيدَ أنّ الجهاز الأمنيّ المُختصّ كان يُدرك ماذا يفعل، فقد كانت هناك فتاةٌ أخرى صُلبة تمّ القبض عليها حينذاك، وقد صمدت بشكل دفع لإبعادها، من أنْ تمثّل الحركة، وذهبت «إسراء» مع والدتها بعد الإفراج عنها إلى برنامج «العاشرة مساء»، حيث «منى الشاذلي»، التي كانت المُعارضة الرسميّة تقدّمها على أنّها رمز البطولة والفداء، وقد انكشفت في أيّام الثورة، باعتبارها كانت نغمة في عزف، ليس بعيداً عن أجهزة الدولة!
بحديثها البعيد عن السّياسة والمُعارضة، والحرص على أنّها وجدت مُعاملة كريمة من قِبل الشّرطة، فقد تبيّن صحّة الاختيار الأمنيّ لها، لتخطّي الرّقاب، ولتكون نجمة هذا الموسم!
ولأنّ السفارة الأمريكيّة كانت بصدد اختيار نُخبتها الجديدة في مصر، فقد وجدت في المذكورة ضالّتها، ومن شروط الاختيار ألا يكون للمختار مرجعيّةٌ سياسيّةٌ أو وطنيّةٌ تعصمه من أنْ يكون أحد الأدوات الأمريكيّة، فلا وعي بقضايا الهيمنة وبقضية الصراع العربيّ - الإسرائيليّ، ولا اهتمام بقضايا الأمّة الجادّة!
وفي المُقابل، فإنّ «إسراء» جرى ضمّها صحفيةً وكاتبةً، بأحد المواقع التي يُشارك في ملكيتها (سراً) نجل الرجل القوي في نظام مبارك «صفوت الشريف»، في وقت كان النظام يمنع كتّاباً حقِيقِين من الكتابة، وقد أغلق صحيفة «الشّعب» وشرّد العاملين فيها، ولم يخضع لأكثر من عشرة أحكام قضائيّة ألغت قرار إغلاقها!
ما علينا، فإذا كان الشّباب الذي تشكّل منه الحراك السياسيّ بعد سنة 2004، وفي القلب منه حركة «6 أبريل»، مُفيداً في هذه المرحلة، فإنّه أصبح عبئاً بعد الثّورة، لافتقداه للوعي السياسيّ، وقد تلاعب بهم العسكر، وكنت دائماً أقول إنّ الإخوان في قُربهم من المجلس العسكريّ كانت لديهم خُطّة، لسحب البِساط من تحته، لكن هؤلاء الشّباب كان كلّ ما يشغلهم هو الوجاهة الاجتماعيّة، وقد تحقّق باجتماعاتهم مع الحكومة والمجلس العسكريّ!
كجملة اعتراضيّة، فمن الواضح أنّ من كتب خُطّة الإخوان، نسِيَ أن يضع سيناريو ما بعد الحصول على الأغلبية في البرلمان، والفوز بالانتخابات الرئاسيّة، فكان ما كان!
وكانت أزمة الثّورة، أنّ هؤلاء الشباب هرولوا في اتجاه العسكر، ليمثّلوا غطاء مدنيّاً للانقلاب العسكريّ، وهو ما اعترف به أحد زعماء حركة (6 أبريل) أحمد ماهر، الذي قال إنّهم كانوا مُدركين أنّهم شركاء في انقلاب عسكريّ!
وقد خاطبتهم في البداية بأولادي المُغرّر بهم، وأنا أحذرّهم بأن الانقلاب وإن «تغدّى» بالإخوان، فسوف «يتعشّى» بهم، وهذه هي دروس التّاريخ، ومما قلته إنّكم عندما تكتشفون ذلك ستجدون أنكم أعجز من أن تواجهوه وذهبت كلماتي أدراج الرياح، ونشرت صور «الناشطة» إسراء عبد الفتاح، مع «أحمد علي» المتحدّث العسكريّ باسم الجيش، في جلسة ودودة، تذكرت معها أغنية «سهير البابلي» و»شادية» في «ريا وسكينة»: «نسبنا الحكومة وبقينا حبايب.. حبايب نسايب»، لمجرّد أنّ الأخيرة تزوّجت الشاويش «عبد العال»، أو «أحمد بدير»!
«سكينة» في حالتنا لم تتزوّج «عبد العال»، والعلاقة لم تصبح مُصاهرة، وهؤلاء - كما قلت مُبكّراً - ضيوف على يوم 30 يونيو، وكما قالت العرب «يا بخت من زار وخفّف»، وإذا كان هناك من سارعوا بالخروج من هذا الحلف، لأنّهم في الحقيقة ليسوا طرفاً فيه، فإنّ كثيرين لم تكن لديهم الرغبة أو الشّجاعة لاتخاذ هذا القرار، وهناك قضية التمويل الأجنبيّ التي تنتظر الفرصة للفتك بهم!
والمُشكلة التي لم تنتبهْ لها «ريا وسكينة»، أنّه إذا كانت هناك أطراف من مكوّنات السّلطة الجديدة ليست عندها أزمة مع النّشطاء، فإنّ أجهزة وزارة الداخلية لا تنسى هزيمتها في ثورة يناير، ولا يمكن أن تكون في حالة صفاء مع هؤلاء، إلا من يقرّبه السيسي بنفسه ويتولّاه بعنايته، فضلاً عن أنّ الأجهزة الأخرى، ترى أنّ في الخروج على نظام مبارك خروجاً عليها، وهي نظرة تحكم السيسي نفسه، وهذه الأجهزة غير المحكومة بفكرة الثأر مع النّشطاء ترى أنّ مَن خرج على مبارك يُمكن أنْ يخرج على السيسي، فلابدّ من إسقاطه بسلاح التّشهير، فكان تسريب صور «إسراء عبد الفتاح» بـ «المايوه»، وإذا كانت ملابس البحر لا تمثّل جريمة، فإنّ السّياق كان يقدّمها على أنّها السّيدة التي تظهر في المُجتمع بالحجاب، لكن بعيداً عنه فإنّها ترتدي هذه الملابس السّاخنة، وهي وإنْ كانت فقيرة، فقد صعدت للطبقات العُليا التي تجلس على البحر بالمايوه، والرّسالة مُوجّهة لطبقةٍ نساؤها إذا نزلن البحر فالنزول يكون بالملابس الرسميّة، نسِيت أنْ ألفت الانتباه إلى وجود «المايوه الشرعيّ» الخاصّ بالمُحجّبات والذي لم ترتدِه إسراء، وهو ما يسهّل عملية التشويه!
اللافت أنّ الصّحيفة التي فتحت أبوابها لإسراء عبد الفتاح كاتبةً وصحفيةً، دون أنْ تكون كاتبةً أو صحفيةً، هي ذاتها التي تُشارك في حملة تشويهها، وهي حملة تستهدف فصيلاً بعينه في شخْصها.
ما كان أغنانا عن هذا كلّه!
أضف تعليقك