ليس التاسع عشر من نوفمبر يوما عاديا في حياة المصريين والعرب، بل هو تاريخ لكل الانكسارات والكوارث والفواجع.
فيه قفز أنور السادات في حجر إسرائيل، مدشّنا مسيرةً من الانبطاح والتفريط والتبديد والتطبيع، والانسلاخ التام من الهوية، مستبدلا الشرق الأوسطية بالعروبة، والعدو بالشقيق والصديق، والتطبيع والتبعية بأوهام السلام مع الأوغاد.
والآن، بعد أربعين عاماً من ذهاب السادات إلى الكنيست الإسرائيلي، بات لدى الصهاينة فائض من القوة العسكرية، والنفوذ السياسي، والهيمنة على صناعة القرار المصري والعربي، جعلهم يشعرون بالضجر من هرولة الأنظمة العربية إلى تل أبيب، طلباً للخدمة في غرف السلام الدافئ، واستجداء للمساعدة في الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها، وسحق الشعوب التي لا تزال تتحدث عن حقوق المقاومة وأحلام التحرير.
في المقابل، ماذا لدى العواصم العربية الكبرى، سوى جيوش تزرع السمك، وتحترف البيزنس، وتسحق كرامة الإنسان، وتحارب أشواق التغيير، وتقمع الثورات المطالبة بالحرية، وتحتكر كل شئ من الاقتصاد إلى السياسة؟
ما تعيشه المنطقة اليوم هو حصاد ما زرعه أنور السادات، بتلك الوثبة المجنونة.
في هذا اليوم، أيضاً، كانت المعرّة المصرية، التي ولغ فيها الجيش في دماء المصريين، بمجزرة شارع محمد محمود الأولى عام 2011، تلك المجزرة التي تكوي أحداثها المشاعر وتلهب الذاكرة بالسياط وتفجر موجات من الحزن العاجز على الأصدقاء والرفاق الذين قضوا بسلاح العساكر والغازات السامة.
وقعت تلك الجريمة بعد أسابيع من مذبحة معرّة النعمان التي نفذها جيش بشار الأسد ضد ثوار سورية، فكانت معرّة وسط القاهرة استنساخا لما جرى فى معرّة النعمان السورية، حين قصف عسكر بشار الأسد الثوار بالقنابل المسمارية. وفي ميدان التحرير في القاهرة، هجموا على الثوار العزل بالرصاص الحي وقنابل الغاز الجديدة التى لم يعرف لها التاريخ مثيلاً.
كانت قمة الابتذال والإهانة لقيم الجندية، حين أمر المجلس العسكري الحاكم في ذلك الوقت جنوده بسحق عظام المتظاهرين من مصابي الثورة، وأهالي شهدائها، وإلقاء جثثهم في القمامة، والرقص بالأحذية الثقيلة فوق أجساد المتظاهرات.
كانت أيضاً لحظة السقوط للنخبة السياسية، حين صمتت على المجزرة، وأدارت ظهرها للثوار، وولت وجهها شطر انتخابات برلمانية، أرادها العسكر الحاكمون سرادق عزاء أنيقا للثورة المصرية، وكما قفز السادات في حجر إسرائيل، مبدّداً نصراً عسكرياً، قفزت القوى السياسية المصرية، الحزبية، وفي مقدمتها الإسلامية والمتحالفون معها، في حجر العسكر، مبدّدةً نصراً ثورياً.
وبعد ست سنوات من تلك الهزيمة الحضارية، يرفع الستار بالأمس عن فاصل درامي جديد، يهين به عبد الفتاح السيسي العسكرية المصرية، حين تنقل تلفزيوناته على الهواء مباشرة وقائع تحول المحاربين إلى تجار أسماك، والجنود إلى باعة جائلين، يسرحون في الشوارع والأزقة ببضائع الجيش، في مشاهد لو عاشها رموز جيل العسكرية الحقيقية لشعروا بالعار.
في هذا اليوم أيضاً 19 نوفمبر، يحتفلون بعيد ميلاد عبد الفتاح السيسي. ومثل كل عام تكون الهدايا مزيدا من الثوار يلقى بهم في السجون، فتؤخذ ماهينور المصري من قاعة المحكمة إلى الزنزانة، من دون حكم قضائي بسجنها، بينما الجنرال يتضاحك مع حوارييه، ويطلق النكات السمجة، ويتحدّث عن المستقبل، بينما ثعبان العطش يلتف حول رقبة البلاد والعباد، بالإعلان رسمياً عن ضياع الحقوق المصرية في مياه النيل.
يقولون أيضاً إن 19 نوفمبر هو اليوم العالمي للمراحيض، لكنه يصلح ليكون عيدا إسرائيليا بامتياز، ففيه حصلوا على كل شيء من أنور السادات، ثم حصلوا بعد 36 عاماً على حاكم مصري يتفانى في خدمتهم.
هو يوم المعرّة عند المصريين والعرب، ويوم المسرّة عند الصهاينة.
أضف تعليقك