بات السؤال الأكثر إلحاحًا للدول العربية في أية قمة قريبة والذي ستفرضه الدولة الداعية وهو: من العدو: الكيان الصهيوني أم إيران؟ على قاعدة : "إما معي أو ضدي" وبكثير من الممحاكات لسياسة ترامب، لتتحدد ملامح سياستها الجديدة إزاء التطورات السريعة والمفروضة ومواقفها أمام حرب قد تكون مفاجئة ومفجرة للمنطقة كلها.
الخياران اللذان تدفع إليهما السعودية بطريقة فرض الوصاية والأبوة على دول عربية كانت تكن لها الاحترام وتسلم لها بالمرجعية إلى غاية ما بدا السفه والعنجهية والتخبط هو السمة البارزة في سياسته الداخلية والخارجية، وبدأت تفقد أصدقاءها وتتفنن في جلب الأعداء كلما أوغلت في دماء المسلمين، وتفرض الوصاية وتنتهك السيادة لدول عربية، وكلما اقتربت من الكيان الصهيوني البغيض، وصرفت أمولا يستفيد منها أعداء الأمة زيادة في الرفاهية والعيش الرغيد والاستقواء على الأمة بدل أن تصرفها لرفع الحصار عن فلسطين أو رفع الظلم والفقر عن مسلمي الروهينغا.
ومن المؤكد أن كثيرا من الدول العربية لن تراهن على هذا الخطط المجنونة والمتهورة، ولن تستعدي إيران وحزب الله في هذا الظرف بالذات وقوفا مع السعودية، رغم أن إيران وحزب الله قد فقدا كثيرا من الرصيد الأخلاقي والعاطفي من العرب والمسلمين، حين اضطهدا السنة في العراق وانخرطا في جريمة القرن في سوريا ومكنا للحوثيين في اليمن، وأقرا بنيتهما في احتلال دول عربية، وكانا سببا إضافيا في الثورة المضادة والوقوف في وجه الشعوب التي حلمت بالحرية والديمقراطية بالطرق السلمية. وكان بإمكان إيران أن تساعد في انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا وهي تملك جميع أوراق الحل سلطة ومعارضة من البدايات الأولى، واستجلبت روسيا بترسانتها العسكرية.
وكان بإمكان إيران ألا تنخرط في مخطط أمريكي سعودي في اليمن لضرب الديمقراطية والقضاء على حزب الإصلاح، لكنها آثرت مصلحتها في تمكين الحوثيين واستغلال غباء السعوديين لتلتف عليهم بعد ذلك وتحاصرهم.
ربما يدخل هذا كله في خطة للمشروع الفارسي الإيراني الذي رفع التحدي لمواجهة أكبر قوة عاتية على وجه الأرض، ويحمل مشروعا عسكريا واقتصاديا يجعل منه قوة ضاربة لا يمكن أن تهدد أو تحاصر. وهذا قد يبرر لها الذهاب بعيدا في إزاحة كل من يقف في طريقه ولو على حساب دمار دول أو تقسيمها أو تقتيل شعوب أو ترحيلها، لكن تبنيها لمحور المقاومة يوجب عليها مراعاة المعايير الأخلاقية والشرعية والمحافظة على من يفترض أن يكونوا حلفاء، لا أن تحارب أمريكا والكيان الصهيوني في صنعاء ودرعا وحلب وتعتبر جثثهم وبيوتهم المدمرة طريقا لتحرير القدس.
ولا يمكن للشعوب العربية والاسلامية أن تغفر هذه الجرائم إلا بالاعتذار عن الدماء التي سالت والدمار الذي حدث، والعدول عن هذه الأعمال العدائية والتدخل العسكري في الدول العربية، وتعود إيران إلى حدودها الطبيعية، والحوثيون إلى العمل الحزبي السلمي ليأخذوا حجمهم الطبيعي في الخارطة السياسية، وحزب الله إلا مهمته الوطنية وهي حماية الحدود اللبنانية ومقاومة العدو الصهيوني، لتسقط ذرائع الحرب السنية الشيعية التي يراد إشعالها في المنطقة.
ويتسنى للدول والشعوب العربية أن تفرق بين دولة قوية تملك مشروعا أزعج الغرب والصهاينة ،وصار يشكل خطرا على هذا الكيان بما توصل اليه من قوة ،حقق كثيرا من الاستقرار والأمن في بلاده ،وأثبت وفاءه لأتباعه مهما كانت جنسيتهم ولغتهم ومواقعهم، واحتضن الفرق الشيعية كلها متطرفهم ومعتدلهم .
وبين دولة لا مشروع لها سوى الانقلابات والتقاتل على الحكم والوصاية على الآخرين وزعزعة البيت الخليجي والمنطقة، والاستقرار الداخلي بالاعتقالات طال حتى العائلة الحاكمة والدعاة والعلماء باسم الأبوة والوصاية ،والارتماء في تحالفات مشبوهة حتى وجدت نفسها في أحضان الكيان الصهيوني باسم الحداثة ،.وأعلنت الحرب على الحركة الإسلامية الوسطية باسم الاعتدال والوسطية.
ولا يمكن أن نسمي هذا مشروعًا ولا محورًا يمكن أن تجازف فيه دول عربية ، فلا قطر يمكن أن تنخرط فيه وقد حسمت أمرها تجاه السعودية، ولا الكويت وهي ترى نفسها المستهدف بعد قطر، ولا عمان منذ زمن، ولا مصر السيسي التي تبيع مواقفها بثمن لم يعد يقدر عليه آل سلمان، ولا تركيا التي انخرطت في لعبة الكبار نأت بنفسها عن مناوشات الصغار، ولا أية دولة أخرى ترغب في الانخراط في حرب جديدة في لبنان أو مع إيران في حلف يضم الصهاينة والأمريكان.
وليس الحل في الانخراط مع إيران في حلف المقاومة، الذي لا يملك أجندة مقاومة الاحتلال الصهيوني ومعاداة أمريكا إذا سلمنا بذلك، وإنما يملك أجندة سياسية توسعية في العالم العربي والإسلامي يصعب التغاضي عنها والسماح بها .
وإنما الحل في إيجاد محور جديد يشمل الدول العربية والإسلامية المستعدة لفتح مجال الحريات وإشراك المعارضة بجميع أطيافها في الاستحقاقات السياسية والتنموية، ويستوعب جميع أبناء الأمة، والحل في تشكيل جدار عربي إسلامي ضد الإقصاء والظلم، وضد التدخل الاجنبي، وضد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ويؤمن بالمقاومة طريقا وحيدا للتحرير واسترجاع فلسطين كاملة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين.
ولنا في حركة المقاومة الاسلامية "حماس" النموذج والمثال حين احتضنت شعبها رغم الحصار والدمار، وطورت سلاحها وأرعبت أعداءها وأدخلتهم الديار، ونأت بسلاحها إلا في اتجاه العدو الصهيوني الغدار، والتزمت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وأثبتت استقلال قرارها ورفضها للوصاية والهيمنة من أحد، فأغضبت حلفاءها من الحكام حينا ومدت يدها لهم أحيانا كثيرة في توازن تحكمه مصلحة الشعوب ومصلحة القضية.
وحينئذ يمكن لهذا المحور الجديد أن يلتقي مع محور المقاومة في تحالف سياسي استراتيجي؛ لتتشكل القوة الضاربة وتتعزز اسباب النصر، وتنتقل الدورة الحضارية إلى الأمة الإسلامية والمشروع الإسلامي البديل عن حضارة أفلست وسقطت وتهاوت ،حين آلت قيادتها للصهاينة وتصدروا المشهد السياسي، واستولوا على المال، وامتلكوا القرار وعلوا في الأرض علوًا كبيرًا. "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا" الإسراء7.
أضف تعليقك