مرت بالأمس الذكرى الـ63 عامًا على انقلاب 1954، ففي يوم 14 نوفمبر 1954 تحرك جمال عبد الناصر وأطاح بمحمد نجيب، أول رئيس للجمهورية لينفرد بالحكم وحده.
فما أشبه الليلة بالبارحة، فمثل هذه الأحداث تؤكد أن استراتيجة الانقلابات العسكرية التي قادها جنرلات العسكر في مصر، لم تتغير على مدار عشرات السنوات حتى اليوم، حيث دائمًا ما يكون الانحياز لمصلحة الجماهير والدفاع عنها هو المبرر الذي يخفي من ورائه الجنرلات أطماعهم العسكرية.
من هو محمد نجيب؟
محمد نجيب سياسي وعسكري مصري من أصل سوداني، كان أول رئيس يحكم مصر حكماً جمهورياً، التحق بالكلية الحربية في 1917 وتخرج منها ليسافر إلى السودان ويلتحق بالكتيبة المصرية هناك ويبدأ حياته ضابطا في الجيش المصري.
كان نجيب الضابط الاول الذي يحصل على إجازة في الحقوق، ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي العام 1929، ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص العام 1931.
شارك في حرب فلسطين في 1948 وترقى في سلم الرتب العسكرية حتى أصبح لواء أركان حرب، قبل ان ينضم إلى تنظيم "الضباط الأحرار" ليقود الثورة التي انتهت بعزل الملك فاروق وإعلان الجمهورية.
انقلاب 1954
عقب الإطاحة بالملك فاروق عام 1952 ، لم يكن عبد الناصر برتبته الصغيرة إبان الثورة وشخصيته المجهولة من كثيرين من أفراد الجيش والشعب، قادراً على أن يدخل في منافسة متكافئة مع محمد نجيب الذي كان يحظى بشعبية كبيرة ومكانة مرموقة داخل مصر وخارجها، جعلته بعد أقل من شهرين على الثورة، يتولى أعلى ثلاثة مناصب في الدولة: رئاسة مجلس قيادة الثورة، ورئاسة مجلس الوزراء، والقيادة العامة للقوات المسلحة.
وتركزت عليه الأضواء باعتباره الرجل الذي قاد الثورة وطرد الملك وأنقذ الشعب من عهد الظلم والطغيان.
أدى ذلك الى اصابة عبد الناصر، "المخطط الحقيقي" للثورة، بالغيرة، وخالجه شعور بالاستياء من الوضع الذي فرض نفسه عليه، ولهذا بدأ التخطيط منذ منتصف العام 1953 لإزاحة نجيب عن السلطة، بعد أن استنفد أغراضه منه، وهو تأمين غطاء للثورة يلقى قبولا واسعا، وتولي قيادتها وتوطيد دعائمها.
وعقب الثورة تولي اللواء محمد نجيب الحكم، وفي فبراير 1954، أصدر مجلس قيادة الثورة بيان إقالة نجيب، وحاول البيان الانتقاص من دور نجيب وتشويه صورته أمام الجماهير، حيث ادعى البيان أن نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس، وأن يكون له حق الاعتراض على قرارات المجلس حتى ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع.
وادعى البيان أنه اختير قائدًا للثورة قبل قيامها بشهرين، وأنه علم بقيام الثورة ليلة 23 يوليو من مكالمة تليفونية من وزير الداخلية فتحرك إلى مبنى القيادة، وهناك تقابل مع عبدالناصر الذي وافق على ضمه وتنازل له عن رئاسة المجلس.
وأسهم اندلاع المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام، فى تراجع الجيش عن قراره.
وجاء في البيان الجديد : "حفاظا على وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيسًا للجمهورية وقد وافق سيادته علي ذلك".
وهكذا عاد نجيب للحكم على أكتاف الشعب الذي خرج في مظاهرات شعبية، ولكن لم ينتهِ مخطط الانقلاب بهذا البيان؛ حيث أسهم في تزايد الخلافات بين الرئيس والجيش في إعداد مخطط محكم للانقلاب من قبل الضباط عليه، انتهى بوضعه تحت الإقامة الجبرية ليستولي جمال عبد الناصر على منصبه كرئيس للجمهورية وسط مباركة من قيادات الجيش.
أسباب الخلاف مع نجيب
كانت أهم نقاط الخلاف بين نجيب وضباط قيادة الثورة، هو مطالبته لعودة الجيش لثكناته واعتراضه على محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي، ثم حدث خلاف ثانٍ بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين وكان من بينهم مصطفى النحاس، حيث رفض نجيب اعتقال النحاس باشا، لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس.
وزاد الصدام بين نجيب ومجلس القيادة عندما اكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته، ورفض زكريا محي الدين أن يؤدي اليمين الدستورية أمام نجيب بعد تعيينه وزيرًا للداخلية وكذلك رفض جمال سالم.
وإلى جانب ذلك أصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة، منها مصادرة 322 فدانًا من أملاك زينب الوكيل حرم النحاس باشا، كما حكمت على أربعة من الصحفيين بالمؤبد، وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية.
يضاف إلى هذه القرارات قرارات أخرى صدرت على الرغم من أن نجيب رفض التوقيع عليها؛ منها القرار الجمهوري بسحب الجنسية المصرية من ستة من المصريين من الإخوان المسلمين.
إقالته وتحديد إقامته
وفي ١٤ نوفمبر١٩٥٤م، أجبر محمد نجيب على الاستقالة من جميع المناصب التي كان يشغلها، وحددت إقامته في منزل زينب الوكيل بالمرج .
وتم إصدار قرار بأن يبقي منصب رئاسة الجمهورية شاغرًا وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولي كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر، حتى تأكدت رئاسته للجمهورية في استفتاء شعبي جري في يونيه ١٩٥٦.
أضف تعليقك