رغم أن الزوبعة التي أثارتها السعودية مؤخرا، والتي أوحت بقرب اشتعال حرب إقليمية جديدة انطلاقا من لبنان، لا تزال في بداياتها، ولا يزال النفخ فيها مستمرا حتى هذه اللحظة، إلا انه يمكن التنبؤ بفشلها قياسا على زوابع سعودية سابقة فشلت في غالبيتها. ولن تكون الحالة اللبنانية بأيسر من سابقاتها، بل الأصح أنها ستكون الجولة الأصعب، والفشل (الثلاثي) حال حدوث مواجهة مسلحة مع حزب الله الذي سيحاربها الآن على أرضه، بعد أن مرغ أنفها بتراب اليمن وسوريا والعراق.
لكن هذا لا يعني انحيازا لحزب الله الذي شارك بدروه في قتل الثورة السورية وقتل الشعب السوري نفسه، والذي فشل في إخفاء وجهه الطائفي الذي حاول إخفاءه لسنوات؛ نال خلالها دعما كبيرا من الشعوب والحركات السنية.
رغم الزوبعة التي أثارتها السعودية مؤخرا، والتي أوحت بقرب اشتعال حرب إقليمية انطلاقا من لبنان، إلا انه يمكن التنبؤ بفشلها قياسا على زوابع سعودية سابقة
لم تنجح السياسة الخارجية السعودية خلال السنوات الخمس الماضية؛ سوى في دعم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في مصر، ووأد ثورة يناير. ولكن يبدو أن هذا النجاح ذاته كان لعنة على السياسة السعودية في كل تحركاتها الخارجية بعد ذلك، فقد فشلت في مواجهة النظام السوري، ولم تقدم الدعم المطلوب لقوى الثورة السورية المناوئة لحكم بشار الأسد، وتركتها بدون غطاء في مواجهة قوات بشار والقوات الإيرانية والروسية والعصابات الطائفية بقيادة حزب الله، ووصل بها الحال لأن تستسلم مؤخرا للرؤية الروسية للحل القائمة على بقاء بشار على رأس السلطة.
وفشلت السياسة السعودية في العراق، حيث دعمت انفصال الأكراد عنها، ولكن هذا الانفصال فشل في النهاية، ودفع زعيمه مسعود البرزاني ثمن ذلك غاليا، ولم تسعفه السعودية.
وفشلت المملكة في محاولتها لتركيع قطر.. لقد جربت السعودية مع قطر الطريقة ذاتها التي تجربها الآن مع لبنان. ففي المرة الأولى قرصنت السعودية وحليفتها الإمارات موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية، لتبث عليه حديثا مزيفا للأمير تميم ولتتخذه تكؤة للتدخل في قطر، وتغيير النظام. ولم تنتظر كثيرا حتى أعلنت سحب سفيرها وتبعتها الإمارات والبحرين، ثم ما لبثت أن أغلقت المجال الجوي والبري، وفرضت حصارا خانقا على جارتها. وكانت كل المؤشرات تفيد باعتزام السعودية التدخل العسكري المباشر لاحتلال قطر وتغيير نظام الحكم بالقوة، لكن قطر قاومت هذا الحصار منذ مطلع شهر حزيران/ يونيو الماضي وحتى الآن. وفي المرة الحالية، "قرصنت" السعودية شخص رئيس الوزراء اللبناني نفسه؛ الذي تتهم بلادُه الرياضَ حاليا باحتجازه ومنعه من العودة. وقد تبعت ذلك بدعوة مواطينها الزائرين للبنان بمغادرته فورا؛ بدعاوى أمنية، وهو ما تكرر من حلفاء السعودية (الإمارات والبحرين وحتى الكويت)، وكان الهدف هو تهيئة المناخ لعملية عسكرية، أو الإيهام بذلك، كما حدث مع قطر.
كان الفشل الأبرز للسياسة السعودية - ولا يزال - في اليمن
كان الفشل الأبرز للسياسة السعودية - ولا يزال - في اليمن. فرغم مرور أكثر من ألف يوم على عاصفة الحزم، التي كانت السعودية تعتقد أنها مجرد نزهة سريعة لن تستغرق سوى بضع أيام يعود بعدها القائد محمد بن سلمان منتصرا مظفرا بعد تحرير اليمن والقضاء على الحوثيين وتثبيت الحكم الموالي للسعودية، ويصبح بذلك ابن سلمان زعيما شعبيا بفضل ذلك النصر المظفر، إلا أن هذه العاصفة نجحت فقط في تدمير منازل ومستشفيات اليمنيين وقتلهم فيها، دون أن تحقق هدفها بكسر الحوثيين. بل إنها نقلت الحرب بعد الألف يوم إلى قلب الرياض، حيث وصل صاروخ باليستي يمني إلى مطار الملك خالد في وسط العاصمة السعودية، وهو ما يعني إمكانية وصول المزيد من الصواريخ الحوثية إلى الرياض أو غيرها من المدن السعودية، وهو ما هدد به زعيم الحوثيين فعلا.
طبول الحرب على لبنان بدأتها السعودية باستدعاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي يحمل أيضا الجنسية السعودية، والذي أعلن عن تقديم استقالة حكومته من الرياض، وليس من بيروت خلافا للأعراف السياسية، وهو ما كشف الدور السعودي خلف تلك الاستقالة التي استهدفت خلط الأوراق، وتسميم الأجواء في لبنان، وتهيئتها لحرب جديدة؛ تثأر فيها السعودية من هزائمها في اليمن والعراق وسوريا، وتوجه ضربة لذراع إيران في المنطقة (حزب الله) الذي تتهمه السعودية بأنه مطلق الصاروخ الباليستي عليها. وقد تعالت احتمالات الحرب الفعلية، خاصة مع سحب السعودية وحليفاتها لمواطنيها من لبنان. وكان الظن أن تندلع الحرب خلال يومين أو ثلاثة، حتى أطفأتها - ولو مؤقتا - تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون؛ التي أكد فيها أن بلاده تؤيد بقوة سيادة واستقلال جمهورية لبنان ومؤسساتها السياسية، وتحث جميع الأطراف داخل لبنان وخارجه على احترام نزاهة واستقلال المؤسسات الوطنية المشروعة في لبنان، بما في ذلك حكومة لبنان والقوات المسلحة اللبنانية. كما عبر عن احترام بلاده لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ كشريك قوي للولايات المتحدة، دون أن يصفه بـ"المستقيل". وأعلن أيضا تأييد بلاده استقرار لبنان، ومعارضتها أية أعمال يمكن أن تهدد ذلك الاستقرار.
إذا لم تكن تل أبيب هي المعنية بالحرب فعلا، وإذا لم تكن هي التي تجند السعودية لتغطية عدوانها سياسيا وماليا، فإن التحركات السعودية ستلحق سابقاتها في الفشل
ربما كانت هناك تفاهمات بين السعودية والكيان الصهيوني على شن هذه الحرب، بحيث تتحمل السعودية تكاليفها المالية، ويمكن أن تشارك في بعض الضربات التلفزيونية، لكن الضربات الأهم في تلك الحالة كانت ستنطلق من الكيان الصهيوني؛ الذي ربما وجد أن هذه فرصة سانحة أمامه للانتقام من حزب الله المنهك من الحرب في سوريا واليمن. لكن تصريحات محللين وخبراء إسرائيليين وأمريكيين؛ أفادت بأن هذه الحرب ليست من أولويات تل أبيب حاليا، بل قد تكلفها غاليا، وأن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يخوض حربا بالنيابة عن غيره مهما كانت المحفزات، فالأصل بالنسبة لتل أبيب أنها هي من تستخدم غيرها في خططها وعدوانها. ووفقا لخبراء عسكريين صهاينة، فإن الحرب المقبلة مع حزب الله قد تكون كارثية، وخاصة إن استمرت لأكثر من بضعة أيام، حيث يمتلك حزب الله - وفقا لتقديراتهم - أكثر من 120 ألف صاروخ وقذيفة، وهذا كافٍ لإرباك دفاعات إسرائيل ضد الصواريخ. بل إن بعض الخبراء الصهاينة يتهمون السعودية بنصب فخ لهم، وتوريط الجيش الإسرائيلي فيما وصفوه بـ"المهمة القذرة" نيابة عنهم، حسب تعبير السفير الأمريكي السابق لدى تل أبيب، دان شابيرو، والذي عمل مستشاراً للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويعمل حالياً باحثاً في "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي.
الخلاصة، أنه إذا لم تكن تل أبيب هي المعنية بالحرب فعلا، وإذا لم تكن هي التي تجند السعودية لتغطية عدوانها سياسيا وماليا، فإن هذه التحركات السعودية الجديدة تجاه لبنان وحزب الله ستلحق سابقاتها في الفشل، وستؤكد إدمان السياسة السعودية لهذا الفشل الذي سيكلفها المزيد من المليارات التي يحتاجها مواطنو المملكة.
أضف تعليقك