على دقّات طبول الحرب العربية - العربية، يغرّد المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني، محتفلاً بوصول أربعة منتخبات عربية إلى كأس العالم، ويعبر عن أمله في أن تلتحق بهم إسرائيل في البطولة التالية.
دعك من أن الدول العربية الأربع التي وصلت إلى المونديال تحكمها أنظمةٌ بينها وبين العدو الصهيوني مساحاتٌ من الدفء، تتفاوت من عاصمةٍ إلى أخرى، وتأمّل معي في مفارقات اللحظة الراهنة التي يبدو فيها العرب كأنهم يتنافسون على كأس التطبيع.
السؤال المطروح على موائد الثرثرة العربية الآن: لو حاربت السعودية، مدعومةً أو متحالفةً مع إسرائيل، حزب الله وإيران الآن، فمع من تقف؟
مجرد طرح السؤال يعبر عن حريق هائل في الوعي، وخراب شاملٍ في الوجدان العربي، وانهيار لقواعد المنطق والأخلاق ومرتكزات الهوية الحضارية والثقافية، فلم لا يطل أفيخاي أدرعي بوجهه، ويحتفل بعرب المونديال؟
الحاصل أن العرب يعيشون حالةً من الدونية الحضارية، غير مسبوقةٍ في التاريخ، فخارجياً منبطحون في استجداء مخزٍ للمواقف الدولية، ضد بعضهم بعضا، حتى باتت تل أبيب تجد حرجاً في قبول طلبات المتطوعين لخدمة احتلالها وتمويله، وتعاني تخمةً تطبيعيةً تجعلها تأنف من فتح الأبواب لمزيد من الخدم.
وعلى مستوى الداخل المحلي، لا يمانع مناضلون ثوريون في انبطاحٍ، يعتبرونه تكتيكياً، استجداء لبارونات الثورة المضادة، بحجة تشكيل جبهة واحدة ضد حكم عبد الفتاح السيسي. وفي سبيل ذلك، يتبدّل الخطاب، وتنسف القيم والمعايير المستقرة، وترى أراجوزات في ثيابٍ لامعة يتراقصون فوق الشاشات، بمقولاتٍ، كانوا هم أنفسهم يكفرون ويخوّنون مطلقيها، وتجد سباقاً محموماً على الحصول على توكيلات الخدمة الحصرية لرموز الثورة المضادة، مهد الانقلاب وحاضنته.
هي لحظة أشد جنوناً من لحظة الثاني من أغسطس/ آب 1990 حين وضع الوجدان العربي في غلاية المفاضلة بين متحاربين من العرب.
هذه المرة الكارثة أفدح، ذلك أن المفاضلة في الانحياز ليست بين عربٍ وعرب، وإنما بين عرب وصهاينة، ليجد المواطن نفسه محاصراً بغبار الخلط بين العدو الاستراتيجي والخصم الحضاري والجار المزعج والأخ العاق والشقيق المخطئ.. ويصبح السؤال: مع بن سلمان وإسرائيل أم مع نصر الله وإيران؟
الموقف الصحيح ألا تستسلم لهذه المساومة الوضيعة، وألا تعترف بسؤالهم أصلاً، واسترجع القصة من أولها، واقرأها بوعيك الفطري البسيط.
جوهر الحكاية إن لهذه الأمة عدواً اسمه إسرائيل، عدو لأنه اغتصب الأرض وطرد أصحابها، وقتل ودمر وأحرق، وأن قبلة الكفاح العربي هي فلسطين، وتحريرها حلم عربي مقيم، لا يعترف بموازين القوى، ولا ملوثات الأمر الواقع الذي يريدون أن يستبدلونه بعقيدتك.
وفي الحكاية تفاصيل أخرى: شعوب عربية انتفضت وصنعت ربيعاً ثورياً، ضد أنظمة قتلت الحلم العربي في التحرّر من الاحتلال والطغيان معاً.
تلك هي المعطيات. على ذلك تكون النتائج كالتالي: كل من يقاوم الاحتلال، شقيقاً كان أم صديقاً، ليس عدواً لنا، ومن العار أن ننحاز إلى الاحتلال الصهيوني ضده، بحجة أنه طائفي.
كل من يطلق رصاصةً على حلم العرب في الحرية الإنسانية وتحرير الأرض، هو خصم لنا، نقاومه وننتزع منه الحلم المستحق.
بتفصيل أكثر، نحن مع حسن نصر الله وحزب الله، حين يكون في حربٍ ضد العدوان الصهيوني، لكننا أيضاً ضده، حين يساهم في وأد الثورة السورية، وقتل شعبها، وكما قلت سابقاً: مع نصر الله المقاوم (مقاومة الصهاينة) وضد نصر الله المقاول (مقاول قتل لدى بشار الأسد)، فالحاصل أن بشار الأسد قاتل ومجرم حرب، وحسن نصرالله يدعم قاتلاً ومجرم حرب، وليس معنى أن لديه رصيداً في محاربة العدو الصهيوني، أن نتغاضى عن جريمته في مساعدة قاتل الشعب السوري وثورته.
الشاهد أيضاً أن السعودية والإمارات وإسرائيل حاربوا الربيع العربي في كل مكان، مصر وليبيا وسورية واليمن، وتسببوا في مجازر، ومولوا قتلة وسفاحين. لكن من ناحية أخرى، ليس معنى وقوف حسن نصر الله ضد السعودية وإسرائيل، أنه مع الربيع العربي، وكذلك لا يعني موقف السعودية ضد الحوثيين ونصر الله أنها مع الثورة في اليمن وسورية.
باختصار، ما يخططون لها ليست معركة المواطن العربي، وإنما معركة أنظمة عربية، تتنافس على سحق الإنسان العربي، وتبني زعاماتها الوهمية، وتغسل أيديها من جرائم ضد الإنسانية، في بحيرةٍ من الشعارات الكاذبة.
بعبارة واحدة: حسن نصر الله مدين بالشكر لبن سلمان، والأخير مدين بالشكر للأول، وإسرائيل مدينة بالشكر للاثنين.
أضف تعليقك