• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانيتين

 انتشرت، أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، تقارير وتحليلات عديدة عن مخاطر الانسحاب الأميركي من المنطقة العربية. واعتبر زعماء عرب هذا الانسحاب تخلياً عنهم، وتركهم وحيدين في مواجهة إيران. وبدا الأمر كأن ثمة عتاباً ولوماً، وصل أحياناً إلى حالة الاستجداء، لأميركا للانخراط في ملفات المنطقة الملتهبة وعدم التخلي عن حلفائها.

ولذلك عندما فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي، كانت السلطويات العربية أكثر الناس فرحاً بهذا الانتصار، وبدأت مذاك عملية مغازلة رسمية بين الطرفين، انتهت إلى انخراط أميركي كامل في المنطقة، أكثر مما كان عليه الحال من قبل. راهنت الأنظمة السلطوية على ترامب، وبدأت الاستثمار فيه بطرق مختلفة. مرة عن طريق البيزنس والمال، وأخرى في صفقات السلاح، وثالثة بدعم أجندته المتطرّفة. وكأنما وجدوا فيه ضالتهم التي يبحثون عنها، خصوصا مع جهله وحماقته التي يظنون أن في وسعهم توظيفها لصالحهم. 

تتفق السلطويات العربية مع ترامب في أربعة ملفات رئيسية، كلٌ لتحقيق مصالحه وأهدافه، وهي: الموقف من إيران، والعداء الشديد للإسلام السياسي، ورفض الديمقراطية والصمت على انتهاكات حقوق الإنسان، والتحالف الوثيق مع إسرائيل. 

فيما يخص إيران، واضح أن ثمّة تحولاً استراتيجيا في الموقف الأمريكي الرسمي، خصوصًا البيت الأبيض، تجاه طهران. وقد عبر عنه ترامب في استراتيجيته التي أعلنها قبل أسابيع، وتقوم على التصعيد والمواجهة مع إيران من خلال ملفها النووي، وهو موقفٌ يختلف فيه الكونغرس مع ترامب بشكل كبير، ويمثل أحد الموضوعات التي من شأنها تفجير الخلافات مستقبلاً.

لا شك في أن هذا الموقف من إيران جاء بتنسيق كامل مع السلطويات العربية، بل هو بمثابة "عربون" للعلاقة الجديدة معها، إنْ لم يكن بتحريضٍ منها، وقد نجح هؤلاء في الربط بين التصديق على الملف النووي الإيراني والنفوذ الإيراني.

لذا ليس غريباً أن يكون هناك "الفرق الرئيسي بين سلطوية ترامب وسلطوية حلفائه العرب يكمن في وجود مؤسسات حقيقية في أميركا يمكنها الوقوف لترامب ومحاسبته على أفعاله" تنسيق بين واشنطن والرياض وأبو ظبي فيما يخص اليمن والعراق وسورية ولبنان وهي مناطق نفوذ طهران، ولا تعد استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، التي أعلنها من الرياض قبل يومين بعيدة عن هذا التنسيق. 

وفيما يخص الإسلام السياسي، يكاد يكون هناك تماه بين الطرفين بشأن التعاطي مع قوى الإسلام السياسي وتياراته، وبمختلف تنويعاته وأشكاله. ولا فرق هنا بين إسلاميين معتدلين أو متشدّدين، فالجميع "أعداء" للسلطويات العربية ولترامب. لكن الأدهى أن الأخير يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يرى المشكلة في الإسلام نفسه، وهو الذي لا يتوقف عن وصم التيارات المتطرّفة بالإسلام المتطرّف أو الراديكالي. وهو يتبنى رؤية اليمين المتطرّف في أميركا تجاه الإسلام والمسلمين.

وهذا بالطبع لا يثير أية مشكلة لدى السلطويين العرب الذين يعتقدون أن وظيفتهم الآنية تتمثل في محو كل تيار أو جماعة أو حركة تتخذ الإسلام مرجعية لها ولرؤيتها السياسية. في الوقت نفسه، يتم الثناء على ذلك أميركياً باعتباره جزءا من "الحرب على الإرهاب"، كما تراها واشنطن. 

وفي ما يخص الموقف من الديمقراطية وحقوق الإنسان، تبدو العلاقة بين الطرفين أكثر وضوحاً وتماهياً. الفرق الرئيسي بين سلطوية ترامب وسلطوية حلفائه العرب يكمن في وجود مؤسسات حقيقية في أميركا يمكنها الوقوف لترامب ومحاسبته على أفعاله. وهو باستمرار يحسد نظراءه العرب على سلطاتهم الواسعة، وقدراتهم غير المحدودة على قمع معارضيهم. وهو الذي يعاني كثيراً من الإعلام في بلاده الذي يراقبه وينتقده ليل نهار. ولذلك لا تحظى قضية دعم الديمقراطية والوقوف ضد انتهاكات حقوق الإنسان بأهمية على أجندة ترامب التي يراها قضايا شكلية، قد تعوق تحقيق المصالح الأميركية، فلا يوجد نقد حقيقي لما يحدث في العالم العربي من قمع منهجي ومتواصل للنشطاء السياسيين. 

وفي ما يخص العلاقة مع إسرائيل، لم تصل العلاقات الثلاثية بين واشنطن وتل أبيب والسلطويات العربية إلى درجة من التحالف الوثيق كما هي الحال الآن، وذلك إلى الحد الذي تتحدث فيه هذه الأطراف علناً عن هذه العلاقة. ولم يعد خافياً ليس فقط الحديث المتكرّر، وإنما الخطوات التي يجري ترتيبها الآن لتحقيق ما تسمى "صفقة القرن" التي تهدف إلى تحقيق تطبيع عربي وإسلامي واسع مع إسرائيل، مقابل دعم السلطويات العربية والحفاظ على عروشها. ولن يمانع هؤلاء جميعاً في التضحية بالحقوق العربية والفلسطينية مقابل تقوية هذا التحالف الثلاثي. 

ما سبق هو الخطوط العريضة للرهانات العربية على واشنطن حالياً، والتي ربما تصبح واقعاً في السنوات الثلاث المقبلة. حيث يشعر السلطويون العرب بأن ترامب "هدية من السماء"، وما لم يتم استغلال وجوده لتحقيق مصالحهم الآن، فلربما لا تعود الفرصة مجدداً. بيد أن المشكلة تكمن في أن بقاء ترامب نفسه ليس مضموناً، كما أن الرهان على قدرته وحده على تقرير السياسة الأميركية في المنطقة مبالغ فيه. فثمّة تململ من أن سياسات ترامب وتصريحاته قد تمثل خطراً على المصالح الأميركية، ليس فقط في المنطقة، وإنما حول العالم، وهو ما قد يمثل رهاناً خاسراً على المدى الطويل.

أضف تعليقك