• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لا ندري هل كان الأديب البريطاني الشهير "شكسبير" وهو يقدم رائعته "تاجر البندقية" عن ذلك المرابي اليهودي "شيلوك" الذي تاجر في شيء ومارس الابتزاز على كل من تعامل معه، هل كان يدري أن أحداث قصته يمكن أن تتكرر في بلاده بشكل مختلف ولدوافع أخرى؟ ملخصها التجارة بالمواقف السياسية وبيعها لمن يدفع أكثر!

هكذا يبدو اليوم توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في عالم السياسة أشبه بـ"شيلوك" في عالم الاقتصاد، يتخذ الموقف الكارثي ثم يعتذر عنه بعد خراب مالطة، ويوجه إدانات قاسية ثم يعدل عنها.

ويشهد عليه تاريخه السياسي في السنوات الأخيرة بسقطات كبرى، كان ينبغي أن يحاسب عليها أمام المجتمع الدولي، فقد تورط في قرار خوض بريطانيا الحرب على العراق واحتلاله عام 2003م، وبعد سنوات من تخريب العراق وتدميره ونهب ثرواته وتشريد شعبه، خرج على العالم معلناً أن قرار بريطانيا المشاركة في تلك الحرب كان خاطئاً، مرجعا ذلك -للأسف الشديد- إلى حسن النية!

هكذا بعد أن فقد الشعب العراقي، وفقاً لـ"هيئة إحصاء القتلى العراقيين"، حتى شهر يوليو/حزيران من عام 2010م ما بين 97461 و106348 شخصاً، وتشريد حوالي 1.6 مليون عراقي أُبعدوا عن ديارهم داخل العراق فقط، وفقاً للمنظمة العالمية للهجرة ، وقدَّرت وحدة "البحوث في الكونغرس الأميركي"، وهي هيئة بحثية مرموقة أن تكون الولايات المتحدة قد أنفقت مع نهاية العام المالي 2011م مبلغاً قدره 802 مليار دولار أميركي على تمويل الحرب، وعلى الجانب العراقي فقد تم تحويل واحد من أكثر البلاد ثراء في المنطقة إلى بلد فقير بكل بساطة، ثم يخرج واحد ممن تسببوا في ذلك معلناً أن قرار مشاركته كان خاطئاً، ودون أن يحاسبه أحد في العالم!

وبعد أن ترك رئاسة الحكومة البريطانية وتولى رئاسة الرباعية الدولية المعنية بحل القضية الفلسطينية، شارك بقوة في قرار فرض الحصار على قطاع غزة، وها هو بعد أحد عشر عاماً من الحصار الذي تسبب في مأساة كبرى ما زال يقاسيها الشعب الفلسطيني في غزة، وعندما تم الإعلان قبل أسابيع عن المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، يخرج بلير للعالم معلناً أن من شارك في الحصار على غزة أخطأ، وعلى الجميع أن يتدارك هذا الخطأ، ثم يزيد في الإطراء لحركة حماس التي اعتاد على إلصاق كل نقيصة بها!
وقبل أيام وبعد إغلاق التحقيق الرسمي الذي فتحته الحكومة البريطانية بشأن جماعة الإخوان المسلمين، يفاجئ السيد توني بلير الجميعَ بإعادة فتح الملفات وتكرار تلك الاتهامات التي ثبت عدم صحتها ضد الجماعة، مقرونة بالتحريض عليها والتشكيك في دورها الثقافي والفكري في العالم الإسلامي.

ولا يمكن فهم تلك الاتهامات إلا في إطار الابتزاز والمكايدة السياسية التي تقف وراءها بعض الدول مصحوبة بالعطايا وفقاً لطبيعة الطلب واتجاه الريح.

إن توني بلير الذي اعترف بخطأ المشاركة في غزو العراق وحصار غزة، من المفترض ألا يجد اليوم من يصدقه وهو يطلق اتهاماته يميناً وشمالاً، ومن المؤسف أن يتفرغ رئيس وزراء سابق لدولة كبرى مثل بريطانيا لصياغة تصريحات ومواقف بهذا الشكل المسيء له ولبلاده أمام العالم.

قديماً تمادى "شيلوك" المرابي عند شكسبير في ابتزازه للناس حتى إنه لم يرحم أحد التجار الكبار، عندما طلب منه قرضاً فاشترط عليه في عقد السداد إن لم يسدد في الوقت الموعود يتم قطع رطل من اللحم من جسده!

واليوم يتمادى بلير في مواقفه المتناقضة وابتزازه بنفس الدرجة المخيفة التي أشاعتها أنانية وجشع "شيلوك"

 

أضف تعليقك