• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

يقال فى تراثنا الشعبى: « لا تكن كالدبة التى قتلت صاحبها»، والمثل يُضرب فى الإخلاص الذى يصاحبه حمق؛ إذ لخوف الدبة على صاحبها ذهبت لتبعد عنه ذبابة ضايقته؛ فكان فى ضربتها لهذه الذبابة حياة الرجل وإزهاق روحه... وكذلك يفعل كثير من الإخوة الفضلاء المخلصين؛ فهم يضرون القضية أكثر من نفعها، ولا نشك فى نياتهم، وإنما دفعهم الحماس الجارف دون تروٍ، والعاطفة المشبوبة دون لجم إلى الإتيان بأفعال يستغلها الخصوم فى تشويه التيار بأكمله، ناهيك عن شقها للصف، وخلق التنازع وما يستتبعه من فشل وضياع، ونوجز هذه الأفعال فى الآتى:
- أخ اعتاد الشتم والسب، والتلفظ بالبذىء والقبيح، بما نهى عنه الدين، وهو فى الوقت ذاته يتحدث باسم الدين، وهذا تناقض ونقص فيه، فأهل الشرعية ليسوا فاحشين ولا بذيئين، والأصل أن قولهم كله حسن، وأنهم أهل صدق وإحسان، مع الخلق كافة، ويؤسفنى أن أشاهد «فيديوهات» أصحابها محسوبون على التيار، فأستاء أيما إساءة، وأنا واثق أنها كالمدفع الطائش، عندما تطلق تخلف وراءها البوار والخراب..
- وأخ اعتاد تضخيم الأحداث المتعلقة بفشل الخصم وهزائمه؛ فهو يبالغ فى ذلك، ويعد ويمنى بأمور بعيدة كل البعد عن الواقع، بل قد ينشر أخبارًا غير صحيحة، ربما التقطها من مواقع أنشئت بالأساس للتغرير بمثل هذا الأخ الذى صار يلتقط الشائعات من كل مكان غير عابئ إن كانت كاذبة أم صادقة، المهم أنه يشبع ذاته، ويشفى صدره، ويظن أنه يدخل الفرح والسرور على أنصاره، وهو فى الحقيقة يخدرهم، وبدلا من التعامل مع الواقع فإنه يهرب إلى هذا العالم الافتراضى.. وهذا الأخ نفسه شديد الشماتة فى الخصم، ولا ننكر أن يفرح المسلم بهزيمة عدوه وجريان قدر الله عليه، لكن إلى حد يحفظ عليه وقاره، ويوقفه على الحقائق الكونية من أن الأيام دول، وأن المواجهة تستدعى النظر إلى الأمور بعين العقل وليس بنزوة العاطفة.
- وهناك أخ «مبرراتى» على طول الخط؛ فلا أخطاء -فى نظره- لقادة الشرعية، ولا ممارسات غير موفقة، بل هم أفراد معصومون، وإخوة مقربون، لا يجرى عليهم ما يجرى على سائر الناس. وهذا كلام غلطٌ كله، وتجاوز عقدى، وقداسة لا يعرفها الدين. ربما يرى هذا الأخ أن هؤلاء «الناس» قد فعلوا ما فى وسعهم، وأنهم ظُلموا، وأنهم كانوا عُرضة لمؤامرة دولية، وكل هذا مقبول مستساغ، لكن غير المقبول أن نقف عند هذا الرأى لا نتخطاه، أما القرآن والسنة فينهيان عن هذا المسلك، وأما السيرة ففيها الكثير من المواقف الشبيهة؛ لقد ألصقت الهزيمة بالنبى ومن معه فى «أحد» لأسباب عرضتها «آل عمران»، لكن المهزومين سلكوا مسالك إيجابية فور الواقعة شهدتها «حمراء الأسد»، تؤكد أن على المسلم ألا يركن للفشل، بل يعزم على النهوض، ويدرس أخطاءه، ويعالج خطاياه -إن كانت له خطايا.
- وهناك أخ تخصص فى «شق الصف»؛ حجته فى ذلك: تصحيح الأخطاء، و«إعادة التأسيس»، وهذا الصنف هو أشد الحمقى؛ فهو لا يقدِّر عواقب ما يفعل، ولا يدرك أن الحفاظ على الوحدة فرض من فروض الدين، لكنه -لاندفاعه وتهوره، وقد غذى بآراء من هم على شاكلته من مرتادى «الفيس» ووسائل التواصل الحديثة- لا يميز بين أخ له فى الله، وعدو من أعداء الدعوة، ومثال واحد يكفى لتوضيح ما عليه هذا الأخ من التباس وغرور: كتب أحدهم فى رمضان الماضى «بوستًا» قال فيه: ادعوا الآن وأنتم صائمون على فلان وفلان وفلان - عدد من الإخوة المقيمين فى لندن. ويعتقد هذا الأخ أنهم سبب الانقلاب وما استتبعه من سفك دماء وهتك أعراض ومصادرة أموال وضياع دعوة ووطن. وهذا فى رأيى شطط وحمق لم أر مثله، وجهل عظيم بجميع مناحى الدنيا والدين.
- وهناك أخ لا دور له إلا تخوين زملاء له فى التيار؛ فهذا صنيعة المخابرات، وتلك مدسوسة، وذاك يقوم بدور مشبوه.. وغيرها من صفات التخوين التى إن صحت تخرج صاحبها من الوطنية، بل من الملة، وإن لم تصح -وهى غالبًا غير صحيحة- كانت على صاحبها إثمًا كبيرًا. وقد لاحظت أن هذا الصنف من الدببة قليل الخبرة، ليست له ممارسات دعوية وحركية سابقة، وقد أدى هذا الانغلاق إلى إصدار أحكام من دون فهم؛ ما تسبب فى الفرقة، وبدلا من أن يكون أهل الشرعية يدًا واحدة وسيفًا قاطعًا، أشعل هذا الأخ بينهم نارًا، وفرقهم شيعًا وأحزابًا، وبدلا من توجيه السهام إلى الهدف المقصود، تفرغ كل فريق للتشكيك فى الفريق الآخر، وسوق الحجج والبراهين على عمالته ونذالته.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- وهناك أخوان أحمقان متناقضان فى سلوكهما؛ أما الأول فهو الذى يتبنى منهج القوة فى غير موضعه على طول الخط، وأما الآخر فهو الذى يتبنى «السلمية» على طول الخط كذلك، وكلاهما لا يفقه متى تستخدم القوة أو متى تُستدعى السلمية؛ فإن لكلتا القضيتين فقهًا وممارسة؛ فإن لم نحسن استخدامهما فى مواضعهما أضررنا بالدعوة ضررًا بالغًا، بل الواجب أن يكون الكلام عن هذين الأمرين محسوبًا محسومًا، بعيدًا عن العاطفة التى قد تندفع بلا مبرر فتتبنى القوة فى كل حين، أو تفتر فتتبنى السلمية حتى ترضى بالذل والدون، والإسلام لا يعرف تلك الدرجتين المتطرفتين، وإنما هو وسط وأصحابه ذوو عقل ومنطق..
نسأل الله السلامة.. وعليه قصد السبيل.

 

أضف تعليقك