نشرت إحدى الصحف المسماة بالقومية، صورة قديمة لعجوز روسية بلغت من العمر أرذله، وهي تحمل لافتة تدعو فيها المواطنين مشاركتها في مظاهرة عامة للتنديد بسياسة "يلتسين" رئيس الدولة الروسية -آنذاك- بعد الإنهيار التام للإتحاد السوفيتي.
فهذه السيدة راعها أن يتفكك ذلك الإتحاد وأن تتخذ الدولة -وقتها- سياسة من شأنها إرتفاع الأسعار من القاعدة إلى القمة هكذا فجأة وبلا مقدمات !
ولأنها تعيش الحرية كما ينبغي دون قيد أو شرط، دون أذى .. وقفت هذه العجوز وعلى مرأى ومسمع من الجميع تدعو للتظاهر ضد سياسة "يلتسين" ، بل والدعوة للعودة إلى عهد ماقبل الإنهيار ولم الشمل مرة ثانية وهكذا حين تعطى الحرية لأصحابها فلا يسترق الناس أو يستعبدون !
رأيت هذه الصورة فدارت برأسي أفكار كثيرة وتساؤلات عديدة.. ولاشك أنني قد أصبت بالإحباط ففرق كبير بيننا وبين غيرنا من شعوب العالم الحر في ممارسات الحقوق والواجبات - حتى في زمانهم البعيد- فنحن أبدا لانمارس حقا بل دائمًا نؤدي واجبًا قهرًا أو قسرًا، فالدولة هنا دائما تأخذ حقوقها كاملة إذ ترتكز فيها كل السلطات، بل وتهيمن على كل المقدرات وليس لشعوبنا المسلمة أن تتنفس ولو من قبيل التنفيس عما بداخلها، فهي مقهورة مغلوبة على أمرها.
وهكذا ترتب على أيدي حكام الوطن ممن يحملون المواطنة العربية الإسلامية، ترتب على أن تسبح دائما بحمد حكامها الذين استخفوا بها فأعلنوها على الملأ كما أعلنها الفرعون من قبل، فكانت الطاعة عن ذلة ومسكنة.. وهكذا فالصور في الممارسات متباينة بيننا وبينهم، والفيصل إحترام آدمية الإنسان وإعلاء كيانه. فعلى قدر هذين تكون حرية المواطن وتكون ممارساته.
فإذا عرفنا أننا بهذا الهوان.. عرفنا لماذا كل هذه الإهانات التي توجد ضد الشعوب المسلمة في كل مكان، فالشعوب المسلمة وحدها هي المستهدفة كي تنتزع منها فطرتها التي فطرت عليها، وكي تتبدى فيها النوازع والخصائص لتصبح غير تلك التي تؤهلها لتكون خير أمة أخرجت للناس.
لقد خرجت هذه العجوز تعلن للرأي العام رفضها لسياسة ما، فماذا لو أن سيدة مسلمة عربية حاكتها في ذلك؟ - وقد حدث- واقعا بالفعل الآن.
إن المظاهرات على أرض الإسلام ممنوعة مجرمة، وبالطبع كي لاتفكر سيدة في مثل ماسلكته عجوز روسيا..
ولكنها -الآن- فكرت وتطرق لذهنها القيام بمهمة كتلك ترفض من خلالها سياسات الإضطهاد والظلم
وخرج معها رجلا طحنه الغلاء واستبد به "الإفقار" وخرج في خوف ورفق وتؤدة ليعلن رفضه لمثل تلك السياسات !!
إذا كان المرور أمام سكن الوزراء ثمنه القتل، فلاشك أن المنتظر من شجب مجرد شجب سياسات بعينها معناه ماهو أعظم من القتل .. واسألوا من في السجون.
إذن فالصورة عندنا كئيبة بل أشد ظلمة وقتامة.. ويتشدقون دائما بالحرية التي يتمتع بها غيرنا.. وبالديمقراطية التي لاتبارى.. يمنون علينا بها بلا مواربة أو استحياء.. ويسبح الجميع حمدًا إذ ليس في الإمكان أبدع مما كان.
وهكذا تساق الشعوب التي تنسلخ عن ماضيها فلاتجد عندها ماترتكز عليه، بل تنطلق على جميع الأوجه على غير هدى أو صواب.
أضف تعليقك