تحرش النظام الانقلابي في مصر، بوكالة «رويترز»، وبقناة « بي بي سي»، لكنه غض الطرف عن قناة «العربية»، رغم أنها ارتكبت الجريمة نفسها، وفق معايير «هيئة الاستعلامات المصرية»، وهي كيان حكومي، كان في السابق يتبع وزارة الإعلام، والآن هو تابع لرئاسة الجمهورية.
الهيئة تتهم «بي بي سي» و«رويترز» بارتكاب أخطاء مهنية جسيمة في تغطية حادث الواحات، وذلك بالإعلان عن أن أعداد القتلى من الشرطة بلغ (52) ضابطا وشرطياً، وهو العدد نفسه الذي أذاعته قناة «العربية»، لكن القناة الخليجية لم يرد لها ذكر، رغم أنها ظلت يوماً بطوله تذيع هذا العدد، ولا يمكن أن يكون الأمر مرده إلى الحكمة القائلة «حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط»، فكل من الوكالة والقناة البريطانية ليستا في عداء مع أهل الحكم، بل إن «رويترز»، في كثير من المواقف تبدو كما لو كانت تدار من قبل قناة «صدى البلد»، وقد وجهت لها نقداً في مناسبات مختلفة على هذا الانحياز، الذي يجعل منها منافساً لوكالة أنباء الشرق الأوسط، الوكالة المصرية الرسمية!
تعلمون أن أول بيان عن حادث الواحات من وزارة الداخلية كان بعد أكثر من أربع وعشرين ساعة من وقوع المذبحة، وهو بيان من تسعين كلمة ليس فيه معلومة واحدة عن أعداد الضحايا، أو توقيتها، فكان بيانا روتينياً لا يشفي الغليل، وبدا التلفزيون المصري الرسمي والقنوات الخاصة في غيبوبة، أو أن موقع البث هو جزيرة سيلان، فلا خبر عن الحادث، ولا تعديل في خريطة البرامج استشعاراً للمسؤولية الوطنية!
شفيق وأماني الخياط
وهنا لم يكن أمام الإعلام الجاد إلا أن يلجأ إلى مصادره الخاصة، لمحاولة سبر أغوار هذه المعركة، التي وصفها الفريق أحمد شفيق بأنها «عملية عسكرية مكتملة الأركان»، وهو ما عرضه لهجوم «أماني الخياط»، والتي تجاوزت حد الإشارة إلى ضبطه في سيارة بطريق المطار في أوضاع مخلة، وهو ما يضعها تحت طائلة القانون، لا سيما المادة (308) من قانون العقوبات، لكن القانون في اجازة، ومعلوماتي أن إدارة الهجوم على الفريق شفيق تتم من مكتب عبد الفتاح السيسي، وإذا كانت جريدة معروفة تقوم بهذه المهمة، فقد أُدخلت «الخياط» على الخط، و رئيس تحرير الصحيفة يقف بين المحررين منتشياً بأن مكتب السيسي يراجع معه على الهاتف الحملة ضد شفيق، فالأمر ليس سراً. ما علينا، فبدلاً من أن تستشعر «هيئة الاستعلامات الحكومية» المسؤولة عن الإعلام الخارجي، الحرج بسبب عجز السلطة عن تقديم المعلومات للإعلام والرأي العام، تحرشت بـ «رويترز» و»سي بي سي»، لأنهما نشرا أعداداً غير حقيقية عن الضحايا، علماً بأن قناة «العربية» أيضاً نشرت الأعداد نفسها! لم تكتف الهيئة بظهور رئيسها الجديد «ضياء رشوان»، عبر قناة «دي إم سي» الشهيرة في قناة المخابرات، وهو يطلب من القناة والوكالة الاعتذار عن الأخطاء المهنية في تغطية حادث الواحات، وإنما قامت الوكالة بإرسال كتابين إليهما بنشر اعتذار أو ذكر أسماء الشهداء، غير أولئك الذين نشرتهم وزارة الداخلية بعد يومين، ولم يطلب هذا الطلب من قناة «العربية».
حسب المنشور في موقع «الموجز» على لسان «رشوان» نقلاً عن حديثه لقناة «المخابرات»، فإن مصر تواجه حرباً إعلامية، وهذا في حد ذاته خبرا، فالمعلوم لدينا أن مصر في معركة مع الإرهاب، وهذه هى المرة الأولى التي نعلم أنها تواجه حرباً إعلامية، تشارك فيها حسب السياق وكالة «رويترز»، وقناة «بي بي سي»، فلم تعد حربها مع قناة «الجزيرة» فقط، والتي لم تذكرها الهيئة ضمن الأعداء في هذه الليلة، لأن الأعداد التي اعتمدتها «الجزيرة» كانت منسوبة لوكالات الأنباء الفرنسية، وبدأ العدد من (11) قتيلاً وثلاثة مصابين، ليرتفع إلى (35) طيلة اليوم الأول نقلا عن الوكالة الفرنسية، واللافت أن العدد الذي أوردته يتناقض أيضاً مع ما جاء في البيان الرسمي لوزارة الداخلية في اليوم التالي، فلماذا لم يشملها التنديد الصادر من هيئة الاستعلامات، والذي اقتصر على «رويترز» و«بي بي سي»، وللعلم فإن موقع «مصراوي» المملوك لنجيب ساويرس، والذي يديره «مجدي الجلاد» ذكر أن أعداد الضحايا (55) ضابطا وجندياً!، فلماذا «بي بي سي» و«رويترز»؟!
العين والحاجب
وإذا كان استبعاد «العربية» لأن العين لا تعلو على الحاجب، فهل استبعاد الوكالة الفرنسية من بيان التنديد والإدانة، راجع إلى أنها تتبع فرنسا، مالكة المقاتلة «رافال»، أم أن هذا يأتي في سياق «تحيا فرنسا.. وتسقط قطر» وهو الهتاف الخاص بعضو في البعثة المصرية في اليونسكو؟! تبدو الحملة على القناة البريطانية والوكالة، هو لضرب مصداقيتهما من ناحية، وللتغطية على القصور الرسمي الذي يرتقى إلى مرتبة الجريمة من ناحية أخرى، وهيئة الاستعلامات مسؤولة بجانب وزارة الداخلية عن أن تمد الإعلام الخارجي بمعلومات عن الحادث أولاً بأول، ولا يجوز الاختفاء تحت شعار أن عملية الواحات هي من العمليات ذات الطابع الخاص بحسب وصف «رشوان»، فما هو الخاص فيها غير أن سلطة متهرئة استدعت الارهاب وعجزت عن مواجهته، وأن نظام حكم حجب المواقع الإعلامية، بحجة الحرب على الإرهاب، وعندما جاء الإرهاب الحقيقي كان الهوان، والذي وصل إلى حد الغيبوبة الكاملة. اللافت أن «هيئة الاستعلامات» الحكومية في طلبها لـ «رويترز» و»بي بي سي» بذكر أسماء الشهداء إضافة لما ذكرته وزارة الداخلية، لم تطلب هى من الوزارة ذكر أسماء خمسة عشر شخصاً من الارهابيين لقوا حتفهم في المواجهة، وهو ما تنفيه روايات أخرى تقول إن القوة الأمنية استسلمت من دون مقاومة؟
كما أن هناك أسئلة أخرى تحتاج إلى إجابة، ما هى أعداد القوة التي انطلقت لطريق الواحات لتواجه الإرهابيين؟ ولماذا لم نشاهد أي ناج من المجزرة على الشاشات الرسمية يروى حقيقة ما جرى؟..ويرد على الإعلام المعادي بدءاً من «رويترز» وانتهاء بـ «بي بي سي»؟ حيث يبدو أن «الجزيرة» خرجت من هذا التصنيف، لسبب بسيط أنها اعتمدت في معلوماتها على الوكالة الفرنسية، وتكذيبها يعني تكذيب الوكالة، في لحظة تاريخية حساسة عنوانها «الحب في زمن الرافال»، ارتفع فيها الهتاف «تحيا فرنسا.. وتسقط قطر».
تفوقت «الجزيرة مباشر»
على ذكر قناة «الجزيرة»، فقد تفوقت «الجزيرة مباشر» في هذه الليلة، عندما فتحت تغطية مباشرة، واستقبلت مداخلات المشاهدين، وكان أغلبهم يتحدثون من أنوفهم من «نيوجرسي»، وقد هاجموا «الجزيرة» التي تنشر أخبارا عن حادث إرهابي لم يقع والدليل على عدم وقوعه أن الجهات الرسمية في مصر لم تعلن ذلك، واعتبروا أن الحادث اختراع للجزيرة بسبب عدائها لمصر، وأن أعداد القتلى مبالغ فيه، ولم يرد عليهم المذيع بأن المصدر هو وكالة الانباء الفرنسية ليطلب رأيهم في هذه الوكالة وهل هى متآمرة على مصر؟ كما لم يذكر لهم أن «مصراوي» الموقع المملوك لنجيب ساويرس نشر عدداً مضاعفاً للعدد الذي تذيعه «الجزيرة» فما رأيهم هل يتآمر ساويرس على مصر؟! بالمناسبة، لدي سؤال لم أعثر له على إجابته مبعثه اهتماماتي الأنثروبولوجية، وهو سبب تكلم الأخوة المسيحيين المصريين من أنوفهم، لا يختلف عن هذا بابا الأقباط الأرثوذكس عن القس الانجيلي إكرام لمعي، عن أصحاب المداخلات من الشقيقة «نيوجرسي»؟! ما علينا، فنعود إلى سياق طرح الأسئلة فهل يعقل أنه إلى الآن أنه لم يتم التوصل إلى هوية هذا التنظيم المسلح، الذي ارتكب هذه المجزرة؟، ومن صاحب المصلحة في نشر بيان عن حركة «حسم» بتبني الحادث، قبل أن نعلم أنه بيان مفبرك، وأن «حسم» لم تصدر هذا البيان؟ ثم أليس غريباً أنه بعد أن تلقي الأجهزة الأمنية القبض على عدد من الاخوان بمحافظة الفيوم بتهمة المسؤولية عن الحادث، أن يتم الإعلان بعد يومين من ذلك أن التحريات الأمنية الأولية تفيد أن مرتكب الحادث هو تنظيم آخر؟!
والسؤال الأهم لماذا لم يشارك الجيش في هذه العملية، والصحراء هى مجاله الحيوي، قبل الانقلاب وبعده؟ ولماذا لم يرسل طائراته لإنقاذ قوة الشرطة من التدمير الكامل؟ ولماذا تم ترك أعضاء الفرقة يواجهون مصيرهم في جبال التيه؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى الاجابة عليها قبل أن تتوجه «هيئة الاستعلامات» بأسئلتها إلى «بي بي سي» و«رويترز» بالسؤال عن أسماء القتلى كما هو معلن في بياناتهما؟! لا سيما وأن بيانات الجهة المسؤولة ليست دائماً دقيقة، وعقب قرار نقابة الإعلاميين بوقف برنامج «أحمد موسى» وهو القرار الذي لم ينفذ، قيل بأن «جسم الجريمة» الذي يتمثل في تسجيل منسوب لطبيب مفبركا، ثم تم الإعلان عن إحالة هذا الطبيب إلى التحقيق، وهو الذي نقل شهادات للمصابين عن العملية، وكيف استسلمت القوة الأمنية، وكيف تأخر انقاذ المصابين ليوم كامل، وكيف تم أسر أحد الضباط، وهو الأمر الذي أكدته الأحداث فوالده لواء الشرطة المتقاعد لم يتوقف عن السؤال: «أين ابني يا مصر؟».
وترك هذا كله والإمساك في «بي بي سي» و «رويترز» هو أداء يليق بسلطة الفشل وأذرعها، فالتلميذ البليد ينشغل بمسح السبورة!
أضف تعليقك