• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

رمت حكومة الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي بثقلها لمحاولة إنجاح المصالحة المتعثرة بين حركة حماس وحركة فتح الفلسطينيتين، في مسعى جدي حظي برعاية السيسي شخصيا الذي أوكل المهمة إلى رئيس مخابراته خالد فوزي.

وسبقت ذلك لقاءاتٌ مع قيادات من الحركتين أفضت إلى ترتيب مفاوضات مباشرة بين فتح وحماس، وقد استجابت الأخيرة لاشتراط الرئيس الفلسطيني محمود عباس حلّ اللجنة الإدارية في غزة، لوقف الإجراءات العقابية ضدها في غزة. وشكل ذلك انعطافة مهمة في توجهات مصر تجاه حماس التي تعتبرها جزءا من جماعة الإخوان المسلمين التي يناصبها نظام السيسي العداء.

وسبق للمخابرات المصرية ترتيب اتفاقيات لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل التي شنت حروبا طاحنة ضد قطاع غزة في 2008-2009 و2012 و2014. وتعاملت مصر مع هذه الحروب كوسيط، ولكنها في كل مرة كانت تمارس الضغوط على حماس (باستثناء فترة حكم الرئيس محمد مرسي الذي انحاز لحماس في مفاوضات مخابراتها مع العدو الإسرائيلي في حرب 2012).

وكانت حكومة السيسي تسلط إعلامها لمهاجمة حماس، كما عمدت إلى إغلاق معبر رفح معظم أيام السنة، وقامت بإغراق الأنفاق العسكرية والتجارية بالماء متماهية مع الحرب التي تشنها إسرائيل على حماس على كل الصعد. ولكن السيسي لجأ هذه المرة إلى القوة الناعمة مع حماس، في وقت تعاني فيه هذه الأخيرة من تقلص الدعم السياسي والمالي لها.

مصر والمقاربة الجديدة

إذا كانت مصر تعادي حماس في كافة المجالات، فلماذا ضغطت على الطرفين حماس وفتح لإنجاز المصالحة المتعثرة طوال عشر سنوات منذ الحسم العسكري وطرد القيادي المفصول من فتح محمد دحلان من غزة؟

لا يبدو أن مصر غيرت مواقفها وسياساتها في المنطقة التي تدعو إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني ومحاربة حماس، وما جرى في القاهرةلا يمثل تحولا في موقف مصر وإن بدا للوهلة الأولى أنه كذلك. إذ يشكل قطاع غزة ساحة خلفية للنفوذ المصري، ولذلك فإن القاهرة تريد للقطاع أن يكون تحت سطوتها ونفوذها.

"سبق للمخابرات المصرية ترتيب اتفاقيات لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل التي شنت حروبا طاحنة ضد قطاع غزة في 2008-2009 و2012 و2014. وتعاملت مصر مع هذه الحروب كوسيط، ولكنها في كل مرة كانت تمارس الضغوط على حماس باستثناء فترة حكم الرئيس محمد مرسي الذي انحاز لحماس "

وكانت حماس تعهدت لمصر بألا يكون القطاع مأوى آمنا للتنظيمات "الجهادية" المسلحة التي تستهدف النظام المصري في سيناء، ولكن ذلك لم يكن كافيا لمصر لأنها تريد أيضا أن تؤمّن الحدود مع إسرائيل، عبر تشكيل حكومة فلسطينية تستلم المعابر وتهيمن على الحدود مع مصر وإسرائيل، وتفكك القوة المسلحة لحماس لتهيئة الأجواء للسلام مع إسرائيل، وفق رؤية السلام الإقليمي التي تتبناها الحكومة المتطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو.

كما أن محاولات السيسي لترتيب مصالحة فلسطينية لا تخرج على الدور المصري الذي عُرف تاريخيا بدعمه للموالاة الفلسطينية، في مقابل دعم دمشق للمعارضة الفلسطينية.

وتحاول مصر الدفع بعباس للقبول بالمصالحة وتنفيذ ما فيها، وتعتبر ذلك اختبارا له وتلوّح له بمنافسه محمد دحلان الذي يشكل مخلب قِطّ لبعض الدول العربية للضغط على عباس، باعتبار أن دحلان سيقدم تنازلات لإسرائيل -إذا نجح في تحجيم حماس- أكبر من تلك التي يقدر على تقديمها عباس.

ومع الفشل الإسرائيلي المتتالي عسكريا في لجم وتحجيم قوة حماس العسكرية؛ لجأت مصر وبعض الدول العربية إلى استخدام الأساليب السياسية مع حماس، لعلها تؤتي أكلها بعد أن عجزت عن الاستمرار في حكم غزة مع الحصار المحكم إسرائيليا وعربيا عليها.

وفي المقابل؛ توصلت حماس إلى نتيجة مفادها أن تراجع الدعم الذي كانت تتلقاه مما كان يعرف بتيار الممانعة سيفضي إلى إضعاف شوكتها، وربما يفضي إلى انتفاضة ضدها تدفع ثمنها باهظا.

ولا شك أن مصر أصبحت الآن على المحك لإنجاز المصالحة كمدخل حقيقي للتسوية والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولذلك فإنها لا تزال تمسك بورقة دحلان لتخويف عباس ودفعه للتجاوب مع المسعى المصري.

وفي هذا الإطار سعت قيادة حماس الجديدة إلى تجديد جهود المصالحة والتخلي عن اللجنة الإدارية ووضع الكرة في ملعب فتح، وهو الأمر الذي التقطته القيادة المصرية فعملت على ترتيب مصالحة بين طرفين يشعران أنهما خاسران في المعادلة الفلسطينية والعربية والدولية.

تمهيد الطريق للتطبيع

وتسعى مصر لتأهيل نفسها في المنطقة عبر الدفع بالفلسطينيين بعد المصالحة للموافقة على تسوية وفق مخطط السلام الإقليمي الذي عبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن دعمه له، دون أن يدفع الطرفين للوصول إلى حل من خلال طاولة المفاوضات.

وفي هذا السياق؛ تأتي تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمانالتي قال فيها إن "الحل الإقليمي هو الصيغة الوحيدة التي توفر حلاً مقبولاً لإسرائيل".

"تنتظر المصالحةَ تعقيداتٌ تتمثل في انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والانتخابات في أوساط الشتات الفلسطيني، وتتخوف مصر ودول الثورات المضادة من نجاح حماس في هذه الانتخابات لأن ذلك سيضرب في الصميم مخططات هذه الدول لعزل حماس وإضعافها، ما لم يتم اللجوء إلى التزوير فيها. وهذه الأمور تشكل تحديا للدور المصري"

أما حكومة السيسي فتواجه فشلا داخليا على أصعدة الاقتصاد والسياسة والأمن، وتريد برعاية المصالحة أن تغطي على فشلها داخليا وتتأهل لدور أكبر في المنطقة، بعد طول انغماس في محاربة الإسلاميين والتنظيمات المتطرفة.

وفي هذا الإطار تأتي محاربة قطر ومن قبلها تركيا لإفقاد المقاومة حليفين رئيسيين كانا يساعدان حماس في الصمود ضد إسرائيل. ولا يبدو أن مصر تسير وحيدة في هذا الاتجاه؛ فقد تجنبت الدول المحاصرة لقطر إدراج حماس على لوائح الإرهاب ولم تطالب بطرد قيادات حماس من الدوحة، وذلك لجذب الحركة بعيدا عن حضن قطر وتركيا ثم الاستفراد بها وعزلها.

وفيما لا تزال المصالحة في بدايتها؛ فمن الصعب التكهن بما ستؤول إليه، خصوصا مع مطالبة عباس وسلطته بنزع سلاح الحركة وتمكين حكومة عباس في قطاع غزة.

كما تنتظر المصالحةَ تعقيداتٌ تتمثل في انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والانتخابات في أوساط الشتات الفلسطيني، وتتخوف مصر ودول الثورات المضادة من نجاح حماس في هذه الانتخابات لأن ذلك سيضرب في الصميم مخططات هذه الدول لعزل حماس وإضعافها، ما لم يتم اللجوء إلى التزوير فيها.

وهذه الأمور تشكل تحديا للدور المصري داخليا وخارجيا، بما يضع دول الثورات المضادة على المحك، وسيضعف أي تحرك للتطبيع مع الكيان الصهيوني ضمن عملية السلام الإقليمي. ومن المعالم الأساسية لهذا السلام حل المشكلة الديمغرافية في فلسطين، والتي تتراوح بين إلحاق جزء من سيناء بغزة وترتيب حل إقليمي أوسع عبر خيار الكونفدرالية مع الأردن.

غير أن إسرائيل لا يروق لها إنجاز مصالحة قد تُدخل حماس في الحكم، ولذلك طالبت حكومتُها حماسَ بالاعتراف بيهودية الدولة والاستجابة لمطالب اللجنة الرباعية الدولية.

التمسك بسلاح المقاومة

أبدت حماس مرونة كافية في التعامل مع المصالحة ووقعت اتفاقا مع فتح برعاية المخابرات المصرية لتنزع بذلك فتيل التوتر مع فتح، ولكنها لا يمكن أن تلقي سلاحها في غزة كما لا يمكنها القبول بشروط إسرائيل للمشاركة في الحكومة المقبلة، والتي تتركز في الاعتراف بإسرائيل والاتفاقات التي وقعتها معها السلطة الفلسطينية ونبذ ما يسمى العنف.

ورغم أن عباس قال إنه لا يريد أن يتحول القطاع إلى حالة شبيهة بحزب الله في لبنان، فإنه من غير المتوقع أن تستجيب حماس لمطلب نزع السلاح ولا المطالب الإسرائيلية. وعلى هذا فلا يبدو أن هناك ما يؤشر على إنجاز مصالحة كاملة، خاصة أن مطالب عباس تتساوق مع المطالب الإسرائيلية.

"تحوم الشكوك في إمكانية نزع سلاح حماس بالتزامن مع دخول حكومة رامي الحمد الله إلى قطاع غزة، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول نجاح مساعي مصر لترتيب المصالحة للانطلاق منها لترتيب تسوية وفق المقاس الإسرائيلي. وهكذا؛ فإن شروط المصالحة ستظل تضع العصيّ في دواليب إنهاء الانقسام الفلسطيني"

وتحاول حماس التخلص من حكم قطاع غزة بالمصالحة مع الاستمرار في التفاعل مع مطالب الناس وحاجاتهم، وهي تدرك بالطبع أن المسألة أبعد من المصالحة، وأنها قد تكون ضحية أي عملية تسوية سياسية.

ولكنها تسلك هذه الطريق لتجنيب غزة المزيد من المعاناة في ظل حرمان موظفيها من الرواتب بسبب قرارات عقابية اتخذها عباس، وتجنب العداوة مع مصر التي تشكل المتنفس الوحيد للغزيين إلى العالم الخارجي، مع استمرار احتفاظها بسلاحها وعدم التنازل عنها.

وتحوم الشكوك في إمكانية نزع سلاح حماس بالتزامن مع دخول حكومة رامي الحمد الله إلى قطاع غزة، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول نجاح مساعي مصر لترتيب المصالحة للانطلاق منها لترتيب تسوية وفق المقاس الإسرائيلي.

وهكذا؛ فإن شروط المصالحة ستظل تضع العصيّ في دواليب إنهاء الانقسام الفلسطيني، وستظهر الخلافات العميقة بين الطرفين عاجلا أم آجلا، الأمر الذي يعيد الدور المصري إلى الوراء.

والأخطر في الموضوع هو أن تشن حرب على غزة لمحاولة تطويعها وكسر شوكتها بمشاركة دول عربية، وهذا إن نجح -لا قدر الله- سيؤدي إلى تغيير في السلطة الفلسطينية لصالح دحلان لإعطائه فرصة لمحاربة حماس، وهي المهمة التي فشل فيها عباس وأجهزته الأمنية. لكن حتى لو نجح دحلان في خلافة عباس فإنه لن يستطيع تطويع حماس، مما سيبقي الدور المصري في حالة فشل داخليا وخارجيا.

ولا ننسى أن حالة ضعف مصر تقلل من فرصها في الضغط على الأطراف المختلفة لإنجاز المصالحة، وأن دحلان قد يجد صعوبة -حتى مع الدعم المصري والعربي اللامحدود له- في الضغط على حماس أو تركيعها. ولكن أقصى ما يقوم به هو خلق المشاكل في غزة والاستمرار على نهج أشد من عباس، لمحاولة إضعاف حماس في الضفة بالاعتقالات والملاحقة والتنسيق الأمني مع إسرائيل.

ولا شك أن استمرار حماس في غزة وصمودها أمام محاولات الاستهداف العربية والإسرائيلية يشكل شوكة في حلق هؤلاء، ويمثل إشعاعا لإعادة انطلاق الثورات العربية.

كما أن هبة الأقصى الأخيرة -ومن قبلها انتفاضة الأقصى- أثبتت أن الشعب الفلسطيني في الضفة سيظل عصيا على محاولات الإضعاف، رغم استمرار القبضة الإسرائيلية الحديدية وتعاون سلطة رام الله مع الاحتلال في ملاحقة الناشطين والمقاومين.

أضف تعليقك