حذرت تركيا رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، من مغبة إصراره على استفتاء الانفصال عن العراق، ونوَّهت إلى خطورة هذه الخطوة، إلا أنه تجاهل جميع النصائح الصادقة، واختار المضي قدما في مغامرته، ولو أدّى ذلك إلى خسارة صداقة أنقرة ودعمها.
كان إقليم كردستان العراق يتمتع بهدوء وأمن وأمان. وشهد مشاريع تنموية وتطورا ملموسا بفضل تحسن العلاقات بين أنقرة وأربيل. ووقعت حكومة الإقليم اتفاقيات مع الحكومة التركية لنقل النفط عبر أراضي تركيا. كما أن له علما وبرلمانا وقوات عسكرية ومؤسسات ووضعا شبه مستقل. وكان إقليم كردستان على رأس المستفيدين من الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في العراق، ووسَّع حدوده لتضم مناطق متنازع عليها إلى أراضي الإقليم.
هذا كان قبل أيام.. وأما اليوم فخرجت كركوك الغنية بالنفط من يد البشمركة، وقد يستمر تراجع القوات الكردية إلى حدود ما قبل 2014. وذهبت مكاسب كبيرة خلال أيام هباء منثورا، نتيجة مغامرة خطيرة وحسابات خاطئة. وما زال كثير من المحللين يطرحون هذا السؤال: "ما الذي دفع بارزاني إلى الوقوع في هذا الخطأ؟".
يذهب معظم هؤلاء إلى وجود قوى إقليمية ودولية وعدت بدعم خطوة الاستفتاء ومشروع انفصال إقليم كردستان عن العراق ثم خذلت بارزاني. ويرى هؤلاء أن تلك الوعود شجعت رئيس إقليم كردستان العراق على تجاهل التحذيرات والنصائح الصادقة. وقد يكون هذا صحيحا، إلا أني أرى أن هناك عاملا آخر لعب دورا هاما في عدم التراجع عن تنظيم استفتاء الانفصال. وهو حلم بارزاني بأن يرى كردستان قبل موته دولة مستقلة.
رئيس إقليم كردستان العراق كان يتعرض منذ مدة لضغوط من خصومه السياسيين. وأراد الهروب إلى الأمام من خلال خطوة الاستفتاء الشعبي واللعب بورقة الانفصال، كما أراد أن يسجله التاريخ كــ"مؤسس دولة كردستان"، إلا أن الرياح لم تهب كما تشتهي سفنه.
كركوك سقطت بسبب انسحاب قوات البشمركة التابعة لعائلة طالباني. ويدور الحديث حول وجود تفاهم مسبق بين بغداد والعائلة أدّى إلى هذا الانسحاب من المدينة دون قتال. ويتهم أنصار بارزاني عائلة طالباني بالخيانة. ويقول بعض المراقبين إن عائلة طالباني انتقمت من مسعود بارزاني الذي استعان بصدام حسين لطرد قوات جلال طالباني من أربيل في صيف 1996.
هناك مثل تركي يقول: "خسر البرغل الذي في بيته وهو ذاهب إلى دمياط للحصول على الرز"، في إشارة إلى خسارة المكاسب بسبب الأطماع. وهذا المثل ينطبق تماما على حال بارزاني الذي كان يحلم بالانفصال عن العراق، وإقامة دولة كردستان المستقلة، ولكنه خسر كركوك وغيرها، بل هناك خطر يهدد كردستان العراق بالتقسيم بين أربيل والسليمانية.
تركيا لم تكن تتمنى سقوط بارزاني أو تراجع نفوذه في إقليم كردستان العراق. وقالت له إنه قد تتم الإطاحة به بعد الانفصال لتتولى حكم الدولة الوليدة تيارات معادية لتركيا كحزب العمال الكردستاني. وكان بارزاني يظن أنه مسيطر على قوات البشمركة، إلا أن الأحداث أظهرت بشكل جلي أنه كان واهما ومخطئا في ظنه.
وعلى الرغم من يد الأخوة والصداقة التي مدتها تركيا إلى رئيس إقليم كردستان العراق، رفض هذا الأخير الاستماع إلى نصائح أنقرة، بل رأينا في شمال العراق خلال حملات الاستفتاء لافتات تظهر عددا من المحافظات التركية ضمن خريطة كردستان، ولقاءات تجمع بارزاني وقادة حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى تصريحات مسؤولين أكراد تتوعد تركيا بالويل والثبور.
والآن، الأولى لبارزاني وحزبه أن يعترفوا بالخطأ ويراجعوا حساباتهم، بدلا من توزيع الاتهامات يمينا وشمالا. ولا داعي لمحاولة التغطية على الفشل بإثارة النعرات الطائفية، أو الحديث عن وجود قوات أجنبية تساند الجيش العراقي والحشد الشعبي. لأن الجميع يعرف أن القادة الأكراد كانوا أول المرحبين بالقوات الأمريكية المحتلة، واستغلوا نظام المحاصصة الطائفية والإثنية لصالح حساباتهم الانفصالية دون أن يبالوا بالظلم الواقع على العرب السنة، كما أن رئيس حكومة الإقليم، نيجيرفان بارزاني، كان بالأمس القريب يشكر الحكومة الإيرانية على المساعدات العسكرية التي قدمتها لقوات البشمركة.
أضف تعليقك