• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

يقول لي صديقي (وهو عربي سني): كان لي صديق كردي، كنت أظنه عراقيا مخلصا، ولكنه اليوم قد ظهر على حقيقته، وها هو يؤيد استقلال إقليم كردستان عن الجمهورية العراقية ... لم أكن أتخيل هذه الخيانة منه!
قلت له : وما الخيانة في ذلك؟
قال لي : هل تؤيد استقلال كردستان العراق؟
قلت له : لست كرديا، ولست عراقيا، لكي أؤيد أو أعارض!
فقال لي : إذن لماذا تبدو سعيدا بمحاولة انسلاخهم عن الدولة العراقية؟
قلت له : لست سعيدا ... ولكني أتفهم دوافع الأكراد في الانفصال ... إنها دوافع منطقية جدا!
قال لي الصديق وهو يكاد ينفجر غيظا : ماذا تقول؟ ما هي هذه الدوافع الطبيعية التي تزعم؟
قلت : من الطبيعي حين تضطهد أي مجموعة سكانية بسبب هويتها أن تتمسك بهذه الهوية، ومن الطبيعي حين تقتل على الهوية أن تتضخم هذه الهوية، ومع ازدياد الاعتداءات على الدم والعرض والمال أن تتنامى هذه الدعوات الانفصالية.
صرخ فيّ الصديق : هذا غير صحيح ... هم جزء من الدولة العراقية، وقد أخذوا حقوقهم كاملة!
أجبته بهدوء : هذا كان في الماضي ... ولكن بعد أن ضربت الدولة العراقية هؤلاء الأكراد بالكيماوي في "حلبجة" وغيرها ... من الطبيعي أن يفكروا في الانفصال.
قال : ولكن ذلك ليس في صالح العراق.
قلت له : صحيح ... ولكن هم لا يشعرون أنهم ينتمون إلى العراق، والسبب في ذلك هو تلك الأنظمة المستبدة التي اضطهدتهم!
قال : ولكنهم في النهاية عراقيون!
قلت له : هذا غير صحيح ... أساس الانتماء الكردي للعراق كان الإسلام ... فكانوا يقولون (الإسلام يجمعنا)، ومن الطبيعي حين يقول النظام العراقي إنه نظام عربي، وأن يبالغ في التأكيد على عروبة العراق بشكل يهمش المكونات الأخرى في المجتمع ... أقول من الطبيعي أن يقول الكردي في تلك اللحظة (أنا كردي ... ولست عربيا)!
أجاب صديقي : والله إنها خيانة ... 
قلت له : ما رأيك في استقلال البوسنة والهرسك؟
قال : حقهم ...!
قلت له : ما حدث في البوسنة والهرسك ... هو ما حدث في كردستان ... الحالة شديدة التشابه.
قال : ولكن هناك فروق.
قلت : الفروق غير مؤثرة ... في النهاية هناك اضطهاد قائم على التمييز تعرضت له طائفة في المجتمع ... وبالتالي أصبحت هناك رغبة للانفصال بسبب استحالة التعايش.
فجأة ... وبدون مقدمات ... وجدت صديقي يتنهد قائلا : أين أنت يا صدام!؟

قلت له : ماذا تريد من صدام؟ أن يضربهم بالكيماوي مرة ثانية؟ السبب الأساسي لانفصال كردستان العراق اليوم ... هو هذا الطاغية المستبد الذي قتل أكثر من ربع مليون كردي في مذبحة لم يشهد لها العراق مثيلا ... قتل كل هؤلاء في أقل من شهر، ونتج عن ذلك شتات وهجرة لمئات الآلاف من الأكراد في الدول المجاورة.
قال لي : ولكن حسمه أمام أطماعهم نتج عنه وحدة التراب العراقي!

قلت له : هذا كذب ... وحدة التراب العراقي إنجاز يحسب للعراقيين على مدار التاريخ، وهو الذي فتت هذه الوحدة، باضطهاده للأكراد، وللشيعة، وغيرهم، لذلك ارتمى الشيعة في أحضان إيران، وأصبح الأكراد دولة داخل الدولة (وربما دولة مستقلة)، والعرب السنة يدفعون ثمن انتماء هذا الطاغية لطائفتهم الآن، رغم أنهم لم يكونوا أقل اضطهادا من إخوتهم الأكراد أو الشيعة. 
انتهى الحوار بيني وبين صديقي ... ولست أدري هل فهم فكرة الانتماء أم لا!
الانتماء للأوطان ليس مجانيا ... وكل من يضطهد أي مكون من مكونات المجتمع لا بد أن يفكر ألف مرة، ولا تستغربوا من نزعات انفصالية هنا أو هناك، فالبشر في النهاية بشر، ولا يحسبن أحمق أن الأمر قد يتوقف عند مجرد الرغبة في هزيمة منتخب لكرة القدم ... لأن الأمر يبدأ بمنتخب كرة القدم، ثم ينتهي بما لا يمكن أن يتخيله أحد.
حفظ الله أوطاننا من كل شر ... ومن كل مستبد وعميل ...
***
في ختام المقال أود أن أُذكّر بقضية ليست شخصية تماما، قضية المعتقلين في مصر وما يتعرضون له وذووهم من قتل عمدي بطيء، بالأمس تعرضت السيدة علا القرضاوي لحالة إغماء، أثناء نظر تجديد حبسها أمام نيابة أمن الدولة العليا، وبدلا من أن تذهب إلى المستشفى مباشرة، تم تجديد حبسها وإيداعها مرة أخرى السجن، في إخلال واضح بأبسط قيم القانون وحقوق الإنسان.
حملة الحرية لعلا وحسام دعت منذ أيام جميع الأقلام الحرة إلى تبني هذه القضية والكتابة عنها بمناسبة مرور 100 يوم على حبس علا وزوجها حسام.. التدوين سينطلق مساء اليوم الساعة 7 مساء وسيستمر حتى 7 من مساء بعد غد الأربعاء.     
الحرية لعلا وحسام .. الحرية لكل معتقل في مصر يعاني مرارة الحبس والظلم.

--------
موقع الكتروني :  www.arahman.net
بريد الكتروني :   [email protected]

أضف تعليقك