تشعر وكأن هناك "ماكيير" سياسياً واحداً اشتغل على عبد الفتاح السيسي، في مصر، ويشتغل الآن على محمد بن سلمان، في السعودية.
الأداء واحد، والمنطلقات واحدة، وبما أن سيسي مصر يبدو، في تكوينه الذاتي والمعرفي، خلواً من الفكر والإبداع، فإن فرضية أن بن سلمان يمشي على خطى السيسي مستبعدة، والأحرى أنهما يغترفان من بحيرة واحدة، قد تكون بحيرة طبرية.
دشّن السيسي مرحلته الكئيبة، بما أسماها ثورة دينية، قامت على أوهام تجديد الخطاب الديني، بينما هي، في واقع الأمر، ركزت على نسف الخطاب الديني الجاد والمحترم، وثبتت بدلاً منه خطاباً ركيكاً متهافتاً، ابتذل مفهوم الدين وهبط بمستوى الخطاب، في آن، ورأينا تسييداً لنوعيات بائسة، علماً وخلقاً، من الفقهاء والمختصين بالأمور الدينية، في مقابل إقصاء العلماء الحقيقيين، بالسجن والتهميش والإبعاد خارج البلاد.
في هذه الأجواء الفاسدة، يتحول العلامة، فقيه الأمة، الدكتور يوسف القرضاوي، إلى رقم على قوائم الإنتربول، واسم بارز على لوائح الإرهاب، المعتمدة في تل أبيب، والمعمول بها لدى السلطات المصرية. باختصار تجري معاداة خطاب الإسلام السني الأصيل المعتدل النقي، فيما يتم تصعيد خطاب الإسلام البحيري والناعوتي والهلالي، وهلم جرا من سخائم علي جمعة وعمرو خالد وسعاد صالح وآمنة نصير، إلى آخر هذه القائمة من "فقهاء ساعة لقلبك".
يجري الأمر ذاته مع صعود محمد بن سلمان في السعودية، حيث العلماء والفقهاء الحقيقيون في غياهب الاعتقال والتهميش والإبعاد، بينما لا يبقى على الساحة إلا فقهاء السلطان، وأيضاً يتغير الخطاب الديني ويتبدل ويتحور وينثني وينفرد ويتمايل، ليناسب رغبات الصاعد إلى السلطة.
ومثل ما تسمى ثورة بن سلمان الاجتماعية، بعد قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، مثل الثورات الدينية والاجتماعية والاقتصادية عند السيسي، كلاهما يغازل الخارج، باللعب في الداخل، وكلاهما يعتمد أسلوب "الحفر على الناشف" كما مارسه السيسي في مشروع التفريعة وتنمية محور قناة السويس الجديدة، الذي تم تسويقه على أنه الحدث الأكبر من عبور أكتوبر/ تشرين أول 1973، في حين أنه لم يكن إلا استثماراً كاذباً فيما فعله سابقون، وآخرهم الرئيس محمد مرسي.
كان مشروع محور قناة السويس عملاً تخريبياً، يضر بمصلحة البلاد، ويهدد الاستقلال الوطني، في أيام الدكتور محمد مرسي، ثم أصبح إنجازاً فريداً وإعجازاً تنموياً، حين سطا عليه السيسي.. تماماً كما كانت قيادة المرأة للسيارة عملاً شيطانياً يهدم المجتمع، ويقوّض دعائم الوطن، قبل محمد بن سلمان، وحين قفز عليه واستثمره لترويج نفسه، في الداخل والخارج، أصبح إنجازاً تاريخياً وحضارياً، وثورة اجتماعية، ومنتهى الحكمة من الملك وولده.
ثورة الاثنين الكاذبة، اجتماعية كانت مع بن سلمان، أم دينية مع السيسي، هي استثمار في الأحلام والطموحات السابقة، أو قل: اتجار في مستلزمات تصنيع زعامة كرتونية، بالطريقة نفسها، والسيناريو ذاته، بل تتشابه الأحداث والحكايات وتتقاطع وتتطابق.
كثير من القمع والتنكيل، على الأرض، وكثير من البهرجة والألعاب الضوئية والصوتية في الفضاء، والهدف تأمين فرص البقاء في السلطة، بالالتزام حرفياً بتعليمات المخرج العالمي الذي يحرك الشخصيات.
هنيئاً للمرة السعودية بهذا المكسب المستحق، وعزاؤنا في أوطانٍ، صارت مثل قطع الدومينو بأيدي لاعبين من خارجها.
أضف تعليقك