بعد أن أصبح المواطن المصري بلا هوية ولا انتماء في ظل نظام فاشي ديكتاتوري غبيّ، يستخدم كل الأساليب للتنكيل بالمعارضين، تفتّق ذهنه أخيرا عن إجراء تعديلات على قانون الجنسية، وهذا التعديل جاء تتويجا لما قاله قائد الانقلاب في ندوة تثقيفية لعسكر كامب ديفيد بالنص: "أي شخص ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية، ولو اكتشفنا شخصًا بالنوع ده هنبعده، ليس فقط من الجيش والشرطة، بل من الدولة المصرية ككل؛ لأنه يركز على خدمة مصالحه وانتماءاته".
وعلى الفور، تلقّف مخبر أمن الدولة مصطفى بكري، المقرب من الأجهزة الأمنية والسيادية، تصريح قائد الانقلاب، وكنوع من التصعيد الأمني ضد جماعة الإخوان المسلمين، عقب حادث تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر الماضي، تقدّم في يناير الماضي، بمشروع قانون موقَّع من أكثر من مائة نائب ببرلمان العسكر، لتعديل قانون الجنسية، لتمكين رئيس وزراء الانقلاب من إسقاط الجنسية عن الإرهابيين، إلا أن وزير الشئون النيابية، مجدي العجاتي، أكد في ذلك الوقت، عدم دستورية المقترح؛ لتعارضه مع نص الدستور الحالي، ورفض مناقشته في لجنة الشئون التشريعية ببرلمان العسكر!.
وعلى الرغم من أن تعديلات مجلس وزراء الانقلاب على القانون القائم جاءت تكراراً لما هو وراد في القانون، لكنها خلال التعديل خلطت بين الجنسية الأصلية والمكتسبة، حيث نصت التعديلات على سحب الجنسية من "كل من اكتسبها عن طريق الغش، أو بناء على أقوال كاذبة، أو بعد صدور حكم قضائي يثبت انضمام صاحب الجنسية إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، يهدف للمساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي".
على الرغم من أن التعديلات المقترحة تتضمن المنصوص عليه في نفس القانون، وهى المادة الـ15 من الدستور، التي تنص على أنه: يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء سحب الجنسية المصرية من كل من اكتسبها بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة خلال السنوات العشرة التالية لاكتسابه إياها، أما الحالة الثانية المقترحة فتتشابه مع حالة رقم 3 في النص الحالي للقانون، والتي تمنح مجلس الوزراء حق إسقاط الجنسية عن كل من كان مقيما بالخارج، "وصدر حكم بإدانته في جناية من الجنايات المضرّة بأمن الدولة من جهة الخارج"، ليصبح هذا الأمر مطبقا على من كان مقيما بالداخل وصدر حكم ضده من جهة الداخل مع شيء من التفصيل، بما يتماهى مع سياسة النظام الانقلابي الاستئصالية.
فهذا التعديل فضلا عن أنه غير دستوري، باعتراف النظام الانقلابي نفسه، الذى رفض هذا الاقتراح في حينه، لكن على ما يبدو أنه بعد الصفعة التي تلقاها النظام الانقلابي من "الإنتربول الدولي" بشطب أسماء المدرجين على القوائم الحمراء، بعد التأكد من أن الاتهامات الموجهة لهؤلاء الأشخاص "سياسية" بغلاف جنائي، بالإضافة إلى وجود تقارير دولية حول الاعتقال التعسفي، ونزع الاعترافات من المعتقلين تحت التعذيب، وتلفيق الاتهامات للمعارضين، وفي محاكمات هزلية تفتقد لأبسط قواعد العدالة، مما جعل الإعلام الانقلابي يصاب بالسعار، وأن الإنتربول الدولي قد رفع الأسماء الإرهابية من نشرته الحمراء، بعد أن دفعت قطر أموالا كبيرة لتسهيل نقل هؤلاء الأشخاص على مستوى العالم!.
وهذا القانون يخالف المادة السادسة من دستور العسكر، التي تنص على أن: الجنسية حق لمن يولد لأب مصري، أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه.
وكما قال المستشار طارق البشري: ليس هناك مادة في دستور مصري سابق أو حالي نصت على سحب الجنسية، بينما مبدأ حماية الدولة الدستوري أتاح لقانون الجنسية بعض المواد لسحب الجنسية في حالات التخابر أو الخيانة أو العمل لدى هيئات أجنبية أو الإضرار بالأمن القومي للدولة، هذا القانون يستهدف سحب الجنسية من كل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين سواء داخل مصر أو خارجها، وسيطبق على كل معارض للنظام أو من سيُتهم بالانتماء للإخوان، حيث إن القانون غير محدد الأهداف ويسمح للدولة بالتصرف فيه حيثما شاءت، وأنها تنظر إلى القرار كعقوبة مجردة للتنكيل بجميع المعارضين أو فئة محددة سلفا منهم.
وبناء على كلام المستشار البشري، فإن من يستحق إسقاط الجنسية هم عصابة النظام الانقلابي، ومن لفّ لفّهم من التعاون مع الصهاينة، والتخابر معهم ومع دولة الإمارات، وكلهم يجب أن تطبق عليهم جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها الإعدام!. فالجنسية المصرية ليست منحة من أحد، ولا تستطيع أية جهة سحبها من المواطن لمجرد اتهامه بتهم "فضفاضة" يفصلها ترزية قوانين النظام الانقلابي!.
وقد تعجّبت كثيرا من الذين يعولون على أن برلمان العسكر سوف يعترض على هذه التعديلات، ولا يوافق على إقرارها، ولكن برلمان عبد العال في الغالب سيمرر هذا القانون كغيره من القوانين سيئة السمعة، ولنا فيما حدث في تمرير اتفاقية تيران وصنافير عبرة، بعدما "قبضوا العربون"، وذهبوا لأداء فريضة الحج بتأشيرات مجانية من الكفيل!.
كما يعوّل البعض الآخر على المحكمة الدستورية، من أنها سوف تسقط هذه التعديلات، في حال إذا ما أقرها برلمان العسكر، وقام أحد بالطعن على هذه التعديلات بعدم الدستورية، ولكن هيهات هيهات؛ لأن القضاء اليوم صار في قبضة قائد الانقلاب، مثله مثل البرلمان، وبالتالي لا نعول كثيرا على المحكمة الدستورية!. فالنظام الانقلابي العسكري المتحكم في كل السلطات، يريد أن يوزع الوطنية على الشعب المصري من خلال منافذ بيع العسكر.
أضف تعليقك