لا تخرج الاعتقالات التي جرت قبل أيام بحق دعاة ورجال دين وباحثين ومفكرين في السعودية عما يدور حول مسألة تولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان العرش، خلفا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز. وعلى ما يبدو، ليس الأمر بعيدا عن الصفقة الإقليمية الكبرى التي يجري الحديث عنها في المنطقة، وتقضي بتصفية كل ملفات الإقليم، والقضاء على جيوب المقاومة لصالح السلطويات العربية المتحالفة مع الكيان الصهيوني.
وهناك ثلاثة مؤشرات تكشف ارتباط ما يحدث في السعودية بما يدور على مستوى الإقليم، فمن جهة أولى، ثمة أحاديث كثيرة عن احتمالات تنازل الملك سلمان عن العرش لولده ووليّ عهده، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المملكة. وذلك خوفاً من احتمال حدوث انشقاقات وصراعات، إذا ما رحل سلمان قبل نقل الحكم إلى ولده، خصوصا وأن هناك حالة تململ، إن لم تكن رفضا، داخل العائلة المالكة لعملية انتقال السلطة التي جرت خلال العام ونصف الماضيين، وكان آخرها الإطاحة المهينة بولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف. وقد بدأ سلمان فعليا في توطيد حكم ابنه منذ توليه العرش، وإعطائه كل الملفات المهمة داخليا وخارجيا، من أجل تعزيز دوره وإكسابه مزيدا من الخبرة في إدارة شؤون المملكة.
المؤشر الثاني هو سعي محمد بن سلمان الدءوب لتوطيد علاقته بالولايات المتحدة، من أجل ضمان عدم وجود أية اعتراضات على توليه العرش. وقد أدرك ابن سلمان، كغيره من ساسة المنطقة، أن الطريق إلى واشنطن لا بد وأن يمر عبر تل أبيب، فكان عليه لزاما الانفتاح على هذه، وتدشين حكمه من هناك. لذا يبدو أن ما يتردّد في الإعلام الإسرائيلي عن زيارته أخيراً تل أبيب، ولقائه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أقرب إلى الحقيقة. وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق في ظل اندفاع ابن سلمان غير المحسوب خارجيا، وهو ما يتناسب أيضا مع طبيعة شخصيته المغامرة. كما يبدو الأمر صحيحا إذا ما عرفنا أن عرّاب العلاقة الجديدة بين الرياض وتل أبيب هو دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا وزير خارجيتها عبد الله بن زايد وسفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، وكلاهما لا يدّخر جهداً في التزلف والتقرّب من إسرائيل وساستها. وهو أمر لم يعد سرّاً، وإنما يتفاخرون به علنا.
المؤشر الثالث هو التحالف الإماراتي - السعودي الجديد الذي يتغذى على أمرين. أولهما التخلص من قوى الإسلام السياسي بأي شكل وثمن. والثاني الهيمنة على ملفات الإقليم، بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة. بالنسبة للأول، من الواضح أن محمد بن سلمان يسير على نهجه حليفه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في محاربة الإسلاميين المعتدلين ومطاردتهم، وذلك ليس باعتبارهم خطراً على سلطتهم فحسب، ولكن أيضا باعتبارهم خطراً على حليفتهم إسرائيل. من هنا، يشن ولي العهد السعودي الآن واحدة من أكثر الحملات قمعاً علي رموز ودعاة محسوبين على تيار "الصحوة" الذي تأثر في مرحلة سابقة بأفكار جماعة الإخوان المسلمين. على الرغم من أن كثيرين منهم كانوا يدعمون المملكة في سياساتها الخارجية والداخلية. ولكن يبدو أن بن سلمان يريد ولاء تاماً وضماناً بألا يعترض أي من هؤلاء على مسألة تنازل والده له عن السلطة، المتوقع أن تحدث قريباً بحسب تقارير غربية نافذة.
الأمر الثاني هو السعي المتواصل لابن زايد وابن سلمان إلى الهيمنة على قضايا الإقليم، وتحديد بوصلته بالتنسيق مع الإسرائيليين، خصوصا فيما يتعلق بملف إيران واليمن وسورية والعراق. وتعد هذه الهيمنة ركنا أصيلا في الرؤية الإماراتية الجديدة للمنطقة، والتي تتبع فيها سياسة خارجية توسعية تحت شعار الدفاع الاستباقي عن النفس. ويبدو محمد بن سلمان كما لو كان متورطاً في تنفيذ أجندة هذه الرؤية التي تسير عكس السياسة التقليدية للمملكة، وهي السياسة التي كانت تقوم على الحذر وعدم المغامرة. وهنا لا تخرج الأزمة مع قطر عن هذا الإطار، بل لا مبالغة في القول إن حصار قطر ومحاولة تركيعها يعد ركناً أصيلاً، ليس فقط في الرؤية الإماراتية الجديدة للمنطقة، وإنما أيضا في الصفقة الكبرى التي تحاول إسرائيل التوصل إليها مع قادة دول الحصار.
بكلمات أخرى، يبدو ابن سلمان كما لو كان مستعدا لفعل أي شيء في سبيل وصوله إلى العرش وضمان بقائه فيه. وهو هنا لا يكترث كثيرا بالأصوات المعترضة على ذلك، سواء داخل العائلة الحاكمة أو في المملكة. وفي ذلك، لن يتورع عن قمع (وإسكات) كل من يقف في طريق حلمه وصعوده.
أضف تعليقك