• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

إنه حديث ذو شجون، يثير في النفس آلاما كثيرا ما حاولت أن أتناسها؛ لكنها عصية علي النسيان، فهي ذكريات محفورة في حنايا العقل، وعلي جدران القلب، وكلما ظننت أني نسيتها تجددت بداخلي كلما سمعت أحد أسماء المجرمين الذين شاركوا فيها ، فهم أكثر شراسة من الكلاب، وأكثر ضراوة من الوحوش، وقد نصبوا من أنفسهم كلابا للسلطة، ينهشون بأنيابهم كل من يظنون أنه خطر عليها، ويسومون الناس سوء العذاب، فهم غلاظ القلوب، انتُزعت الرحمة من قلوبهم، وحل محلها غضب وحقد علي كل من هو شريف.

إنهم يقومون بمهام من أقذر المهام التي يمكن أن يقوم بها بشر ، فهم حينما يأتون بجحافلهم وقواتهم ، المدججة بالسلاح، والمؤهلة نفسيا لفعل كل ما تؤمر به مهما كان مخالفا لأبسط قواعد الإنسانية، يتركون قلوبهم وإنسانيتهم في السيارات التي جاءوا بها، ويدخلون المكان بلا قلوب، حينما تراهم تستشعر أن هناك حرب تلوح في الأفق وستكون حربا حامية الوطيس، فهم أشداء عضلاتهم مفتولة، وأجسامهم ضخمة ولست أعلم سببا للثام الذي يضعونه علي وجوههم، فممن يخافون في هذا المكان الذي يأخذون بناصية كل شيء فيه، هم مجرمون، وكأنهم لا يدينون بدين، فهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ، مهمتهم كسر النفوس وتركيع الشرفاء ، وإخراس الألسنة ، والفتك بكل ذي رأي طالما أنه يغرد منفردا .

طافت بعقلي تلك الذكريات الأليمة حينما سمعت خبرا عن مطالبة منظمات حقوقية بمحاكمة اللواء محمد الخلوصي واللواء محمد علي في جرائم تعذيب معتقلين سياسيين بكل ألوان العذاب ، وبمجرد سماعي لاسميهما تجدد الشجن والألم في نفسي لأنني كنت شاهدا علي إحدى حلقات مسلسل التعذيب الذي قاموا به ، ورأيتهم رأي العين وهم يمارسون ذلك ، وقد بدت عليهما جميع الأمراض النفسية التي عرفها البشر علي مر العصور.

ففي شهر يونيو عام 2014 قاموا باقتحام الزنازين صباحا والكل نيام بقوات كثيفة العدد والعتاد ، أطلقوا قنابل صوت رجت جدران المعتقل رجا وخلعت قلوب المعتقلين ومزقت السكون الذي تعودنا عليه كل يوم ، بدءوا بزنزانتنا ، وقاموا بفتح الباب بشكل عنيف وفي لمح البصر امتلأت الزنزانة بقواتهم العتية ، وكان لا يزال الجميع نائمين فداسوا بأحذيتهم علي النائمين وبادروهم بالركلات في كل جانب ، وبداخل الزنزانة قاموا بإطلاق قنابل صوت تخلع القلوب من مكانها ، واتشح لون الزنزانة بالسواد ، يلا يأولاد الـ....

"كل واحد يوقف مكانه ووشه للحيطة وايدك الاتنين ورا راسك واللي هيتلفت ولا يرفع عينة الطلقة هتفرتك دماغه ، يا اولاد...." وامتثل الجميع ، ووقفنا ووجوهنا قبالة الحائط ، وخلف كل واحد منا مجموعة من القوات ، يقومون بالضرب المبرح علي كل جزء من أجسامنا ، وقام الملثمون بإطلاق هراوتهم علينا من كل ناحية ، ثم قاموا بوصلة من السباب والشتائم التي تنال من المروءة وتنال من الوالدين ، ثم أعدوا ممرا من القوات الخاصة من باب الزنزانة حتى باحة العنبر مرورا بدرجات السلم الحديدي ، وأمرونا أن نمر منه وأيدينا خلف رؤوسنا واحدا تلو الآخر.

وهذا الممر هو ممر الموت ، ففيه كل ألوان الضرب والتعذيب ، فمن أول الباب هناك من يضرب بقبضة يده في جانب الوجه ويقابله غيره من الناحية الأخرى ، ثم نمر علي من يقومون بالركل بركلات لا تخطئ المعدة وبكل قوة ، حتى تكاد المعدة تخرج من الفم مستغيثة من قوة الركلة ، ثم نمر علي من يرتدي في يديه قفازا معدنيا لامعا يضرب حيث لا تتوقع ، حتى يجعلنا نلتقط أنفاسنا بالكاد ، ثم نصل إلي باحة العنبر ويواجهنا مخبرون ، بأكف أشد بأسا من اليد ذات القفاز المعدني ، ثم يؤمرونا أن نجلس علي ركبنا وأيدنا خلف رؤوسنا وكأننا أسري ، في مربع ناقص ضلع ، وتبدأ وصلة سباب من اللواء محمد علي بأقذع وأحقر الألفاظ ، ويسب الدين بطريقة تجعلك تتأكد أنه لا دين له ، وخلف كل واحد منا ملثم يضع سلاحه فوق رؤوسنا ، ويأمرهم محمد علي بسحب الأجزاء استعدادا للإطلاق.

وطول الجلسة بهذا الوضع تجعل الشلل يسري في أوصالنا ، ونفقد الشعور بأقدامنا تماما، حتى أنني تمنيت ألا يطلب منا القيام فليست لدي الطاقة علي فعل ذلك فلن تحملني ساقاي ، وأخذت ألمح بطرف عيني من هم حولي ، فأراهم يتمتمون بآيات القرآن ، وبدأ صوتنا يهمس بحسبنا الله ونعم الوكيل ، فكانوا يسمعونها فيزداد هياجهم ، ويزداد سعارهم. وأقسم محمد علي أنه قادر علي تصفيتنا جميعا، والتقرير سيكون ، بأنهم قتلوا أثناء محاولة للهرب.

وفي هذه اللحظة قوات منهم تعيث فسادا في زنزانتنا ، استولوا علي كل شيء ، ملابسنا وأحذيتنا ، وأوراقنا ، وطعامنا ، ومصاحفنا ، وأحالوا الزنزانة إلي بركة من المياه أغرقوا كل شيء ، ثم قمنا وعودنا في نفس الممر إلي الزنزانة وأدخلونا وأغلقوا علينا الباب ودخلنا لنجد كل ما تبقي في أرضية الزنزانة والمياه تغمره...

ثم فعلوا هذه الفعل مع كل الزنازين...

إنهم يغرسون أنياب كراهيتهم في نفوسنا..

وكل ما نطلبه محاكمتهم...

أضف تعليقك