• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

قالت الكنيسة الأرثوذكسية في مصر، ما قاله محمد بن سلمان في مقابلته مع قناة «العربية»، عندما سئل عن الإعلام المصري الذي يُهاجم السعودية؟.. فأجاب: «تقصد الإعلام الإخوانجي؟!».

وعندما أثيرت قضية وساطة البابا لدى السلطات الأسترالية، لقبول لجوء 20 أسرة مسيحية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية، قال المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، «إن الإعلام الإخواني حرّف تصريحات البابا». في زمن صار فيه الإعلام الإخواني كالغول، والعنقاء، والخل الوفي!.

لم يكن محمد بن سلمان يقول الحقيقة، تماماً مثل المتحدث الرسمي للكنيسة، فالهجوم الذي تعرّضت له المملكة ولأكثر من مرة، كان من طرف الإعلام السيساوي، وهو ما علّقت عليه في مقال «طويل عريض»، بأنه لا يمكن أن يكون إلا بتعليمات من الرئاسة المصرية وممن يدير الأذرع الإعلامية، فعلى مدى 30 عاماً، كنا في مصر نعلم أن السعودية خط أحمر، وأن مبارك قد يتسامح مع من يَنتقده شخصياً، إلا أنه لن يَسمح ولن يَغفر لمن يقترب من السعودية ولو بشطر كلمة.

وفي فترة الحراك السياسي، وعندما لم يعد مبارك وأسرته خطاً أحمر، ظلت السعودية لا يُقترب منها، وعندما أصر النظام على الإبقاء على بعض النصوص السالبة للحريّات في قضايا النشر، لاسيما فيما يختص بإهانة رئيس الجمهورية والإساءة لممثل دولة أجنبية، قالها مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين حينئذ صريحة، بأن النص الأخير جاء لحماية ملك السعودية، وكان الأجدر بمبارك - بحسب كلامه - أن يطلب من الصحفيين عدم التعرض له، وكان سيستجاب لطلبه بدون نص قانوني يستفز بقاءه الجماعة الصحفية!.

ولحساسية الموقف، فقد كانت الصحف تتحاشى ذكر اسم المملكة في أي سياق سلبيّ، فعندما كتب محرّر المطار في صحيفة قومية كبرى، خبر القبض على مطلوب على ذمة قضايا، أثناء عودته من تأدية العمرة بالسعودية، شطب رئيس التحرير بقلمه الشريف على اسم الدولة، وكتب «كان يؤدي العمرة بإحدى الدول العربية».. ونشرت هكذا!.

ما علينا، فقد تجاوز القوم في البلدين هذه المرحلة، وقد نشرت صورة لأحد الإعلاميين مؤخراً، كان يؤدي الحج بإحدى الدول العربية، يقف مع ولي العهد في هذه الدولة العربية الشقيقة، العين في العين «والقسمة وياهم»، وكان هذا الإعلامي هو الذي هاجم المملكة في أكثر من مرة، في قناة «صدى البلد» التي تعد إحدى الأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري، ولم تكن من الإعلام الإخوانجي الذي لم يقترب في أي مرحلة من تاريخ جماعة الإخوان بأي إساءة للسعودية!.

وكما فعل محمد بن سلمان، فعلت الكنيسة، عندما قالت إن الإعلام الإخواني قام بتحريف تصريحات البابا لإحدى وسائل الإعلام الأسترالية بشأن وساطة البابا في حين أنني أول ما قرأت هذا الخبر قرأته في صحيفة «المصريون»، والقائمون عليها لا يملون من نقد الجماعة والهجوم عليها، وكانت تحسب على المعارضة للرئيس محمد مرسي وهو في الحكم، فضلاً عن أن الخبر نشر في «صدى البلد»، وجريدة «الشروق»، بل وموقع «مسيحيو مصر» الذي يديره «طلعت جاد الله»، المتحدّث الإعلامي السابق للكنيسة!.

وفي اعتقادي، أن الكنيسة قرّرت إطلاق قنبلة غاز، حتى يمكنها الخروج من التصرّف الخاطئ لرأسها، والكلام عن وساطته نُقل على لسانه في حديث لإحدى وسائل الإعلام الأسترالية، وهو تصرف كان ينبغي ألا يمر مرور الكرام، في دولة القانون، لكن يُعد مروره، والعمل على ستره، لائقاً بدولة العسكر، التي تتجاوز عن ذلك، مقابل أن يتجاوز البابا عن التحقيق الجاد، في حوادث تفجيرات الكنائس، فضلاً عن تأييد الكنيسة وكتلتها التصويتية للانقلاب العسكري، باعتبارها مكوناً من مكوناته!.

في دولة القانون، كان الأمر يحتّم فتح تحقيق فيما جرى، لأنه لو صح فإنه يعرّض موقف البابا للمساءلة، لأنه يندرج تحت طائلة النصوص الخاصة بالتخابر في قانون العقوبات. ومن الناحية السياسية، كيف يستقيم تأييد البابا للسلطة القائمة، ويراها على طريق النهضة والنجاح، في وقت يتوسط فيه لعشرين أسرة مصرية في طلب اللجوء إلى أستراليا، وتدخّل البابا بكل «هيلمانه الكنسي» طالباً من الحكومة الأسترالية أن تنظر لهم بعين الشفقة، لأن مصر - بحسب المنسوب إليه - توجد بها مشاكل اقتصادية وتعليمية، بعد مرورها بثورتين، فصارت بلداً جريحاً، ما أثر على الحياة اليومية للمصريين!.

لا أعرف إن كانت المشاكل الاقتصادية والتعليمية تمثل مبرّراً لطلب اللجوء وقبوله، أم أن هذا هو المعلن من قبل البابا تغطية على تبريرات طائفية؟، لاسيما أنه بحسب معلوماتي المتواضعة في هذا المجال، أن طلب اللجوء يأتي مشفوعاً بإثبات التعرّض للاضطهاد السياسي أو الديني، ولأن الأول ليس قائماً في هذه الحالة، لأن الاضطهاد السياسي ليس واقعاً في هذه المرحلة على الأخوة المسيحيين، وقياداتهم الكنسية لا تمل من الإعلان أن هذا هو العصر الذهبي لهم، فهل كان المعلن هو تعرّضهم للاضطهاد الديني، وهل هناك اضطهاد للأقليات في مصر في عهد عبد الفتاح السيسي؟!.

أعلم أن هناك من يقومون باللجوء للتزوير لتبرير طلبهم باللجوء، وإذا كان هذا التصرّف مقبولاً من آحاد الناس، فلا يجوز أن نقبله من رأس الكنيسة المصرية، لاسيما أننا لا نعرف ملابسات خروج العشرين أسرة من مصر إلى أستراليا، وهو أمر لن يخرج من بين هذه الاحتمالات:

أولاً: إما أن تكون هذه الأسر تعرّضت للاضطهاد الديني وهو ما نستبعده، لكن في حال حصوله، فإنه ينبغي إعلانه، لاسيما أنه يأتي في عهد تعد الكنيسة من ضمن مكوناته، وتستقبل السيسي بالتصفيق الحاد، والتأييد المفرط!.

ثانياً: أن تكون هذه الأسر قد هربت من مصر بسبب مشاكل اقتصادية أو تعليمية، كما قال البابا، وهنا يكون غبطته مطالباً رسمياً بالإعلان عن عدم قدرة النظام الحاكم على مواجهة هذه المشاكل وهو شريك بالتأييد، ولا يجوز له أن يبحث لرعاياه عن طريق للهروب، ليتحمّل الشعب المصري نتيجة هذا العجز الذي يؤيده البابا، وإذا كان بحكم موقعه الديني يستطيع تدبير شؤون رعاياه في بلاد المهجر، فماذا عن المصريين الذين ليس لهم بابا؟!

ثالثاً: أن تكون هذه الأسر سافرت للخارج بحثاً عن وضع معيشي أفضل، ككثيرين، ومن هنا لا يجوز وطنياً أن يستخدم البابا موقعه الديني في تسوية أحوالهم بالادعاء الكاذب بأن مصر تعاني من مشاكل وأنها بلد جريح، فهل مصر فعلاً بلد جريح؟!.. وإذا كانت كذلك فهل تعجز السلطة المؤيدة بروح البابا من أن تداوي جرحه؟.. أم أنها عاجزة عن ذلك على نحو يعطي المبرّر لطلب المصريين اللجوء السياسي في أستراليا وغيرها؟!.

فالهروب إلى شمّاعة الإعلام الإخواني لن تفيد البابا، لأن شماعة الإعلام الإخوانجي لم تفد محمد بن سلمان!.

فليس للبابا تواضروس أن يورّط مصر في الفشل، ثم يبحث عن الخلاص الشخصي لرعاياه!.

أضف تعليقك