• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

لا يريد الحكم العسكري في مصر، أن ينتبه إلى أن الشعب المصري، تجاوز مرحلة الانبهار بأعماله الدرامية، بعد أن وقف على أنها تفتقد للحبكة والتشويق، وصارت مثالاً للفن الهابط!
 
لقد تم إلقاء القبض، على نائبة محافظ الإسكندرية، "سعاد الخولي" وسط "زفة بلدي"، بتهمة تقاضي رشاوى، قدرتها الجهات الرقابية بمليون جنيه، مقابل تمرير مخالفات والموافقة على تجاوزت، لم تسميها هذه الأجهزة، على نحو كاشف، بأن المستهدف من وراء هذه القضية هي "المذكورة" وحدها، وكان يمكن أن نتجاوز ذلك، ونشارك في "فرح العمدة" المنصوب، وتحية "أولي الأمر" منا، لولا أن تعيين "الخولي" لم يكن في عهود سابقة، ولكن تم في عهد السلطة الحالية، ووسط "زفة" أيضاً، وكما دُعي الشعب الآن ليشارك في "زفة" القبض عليها، فقد دعي ليشارك في "زفة" تعيينها، لأن نظام السيسي ينزل المرأة منزلتها!

 

المذكورة، لم تفسد فجأة، فقد جاءت من وظائف سابقة تحيط بها الشبهات من كل جانب، وإذا كان صديقنا "معتز مطر"، قد أذاع على قناة "الشرق"، و"زفة" التعيين منصوبة جانباً من هذا الفساد، فالشاهد أن السلطة تعاملت معه على أنه من حزب أعداء النجاح، وأنه يعارض من أجل المعارضة، ولم يعد سراً، أن جهاز الرقابة الإدارية، الذي ألقى القبض عليها، هو من بيده "عقدة النكاح"، منذ قيام ثورة يناير وطي مرحلة الأجهزة الرقابية التابعة لوزارة الداخلية، فقد كانت تقارير الرقابة الإدارية معتمدة، في التعيين للمناصب العليا، حتى في عهد الرئيس محمد مرسي!

 
ومن هنا لا يكون أمامنا إلا نحاول الوصول إلى "الاحتمالات" وراء تعيينها في منصب نائب المحافظ، مع صحيفة سوابقها المتخمة بالفساد، ومعلوم أنه تم ترشيحها من قبل لمنصب المحافظ ذاته، وكان واضحاً أن هذا إن لم يحدث بتعيينها محافظا للإسكندرية، فقد تُعين للمنصب في محافظة أخرى، عند أول حركة محافظين قادمة!
الاحتمال الأول: أن تكون الرقابة الإدارية، ولسبب أو لآخر، لم تخبر قيادتها السياسية بصحيفة سوابق "سعاد الخولي".
 
والاحتمال الثاني: أن قد تكون قد رفعت تقريرها للسيسي، ولم يأخذ به، استمراراً لصيغة قديمة، معتمدة في دولة العسكر، وهى ضرورة أن يكون لأي مسؤول ملف أسود، يمكن فتحه إذا ظن أن العين يمكن أن تعلو على الحاجب، وباعتبار أن الفاسدين هم الأسهل في قيادتهم من الشرفاء!
 
والاحتمال الثالث: أن تعيينها في منصب نائب المحافظ، كان بترشيح خاص من وزير التنمية المحلية السابق، "اللواء" عادل لبيب (الضباط السابق بجهاز أمن الدولة)، الذي قيل أنه صديق لزوجها لواء الشرطة الراحل، والسيدة "سعاد"، هي أم لضابطين بالشرطة، وقد يكون السيسي اعتمد هذا الترشيح ثقة منه في الوزير، وثقة كذلك في هذه السيدة، التي تنتمي وعائلتها بحكم "المكانة الوظيفية" للدولة العميقة، ولم يطلب تقارير الأجهزة الرقابية.
وهنا يكون السؤال: ولماذا سكتت الأجهزة الرقابية، كل هذه الفترة، لاسيما وأن الوزير الذي رشحها للمنصب، تم الاستغناء عن خدماته؟!
 
من الناحية القانونية، فقد تحصل المذكورة على البراءة، فمن الواضح أنه لم يتم إلقاء القبض عليها متلبسة، والرشوة هي في الأصل "قضية تلبس بالواقعة"، والتفاصيل المنشورة وإن كانت شحيحة -لم تشف الغليل- لأسباب لا نعلمها، تفيد أنها استدعت إلى مكتب المحافظ، قبل اقتحام مكتبها وتفتيشه، وهناك عثروا على مجوهرات وخلافه، ولم يعلن إن كان المليون جنيه، تم العثور عليهم في مكتبها أم خارجه، لاسيما وأننا لم نعلم أنه تم إلقاء القبض على من قاموا "برشوتها"، مما يجعلنا أمام جريمة تفتقد لأركانها!، وإذا كانوا قد عثروا على أموال عندها، فقد أقرت محكمة النقض في قضية فساد محافظ الجيزة السابق، عبد الحميد حسن، مبدأ غريباً، وهو أن عبء الإثبات يقع على أجهزة الرقابة، فليس لها أن تلقي القبض على الموظف العام لتسأله من أين لك هذا، فعليها أن تثبت هي أن (هذا) من طرق غير مشروعة!
ومن الواضح، أن صياغة القضية بشكل جدي لم يكن مطروحا على جدول الأعمال، فقرار صدر بالتخلص منها، وعلمهم السابق بفسادها يكفي لهذه المهمة، وتكمن أزمتنا معهم في أنهم يريدون منها أن نشارك في "الزفة"، وأن ينطلي علينا الادعاء بأنهم يواجهون الفساد، فكانوا أمامنا في حكم من "يتسير"، أي يذكر سيرته!
 
فتجربتنا مع العسكر، أنهم يفجرون قضايا الفساد، وليس الهدف الحقيقي أنهم يحاربونه، فهو جزء من حكمهم، ولكن للتخلص من الضحية لسبب أو لآخر، وكان الرئيس المخلوع "مبارك"، متخصصا في ذلك، ومع كل ضحية يتم الحشد الإعلامي، لتقديم النظام على أنه يحارب الفساد، ويقطع دابر المفسدين، وكان هذا منذ اليوم الأول لحكمه!
 
لقد استقر في وجدان "طلعت السادات"، ابن شقيق الرئيس الراحل، لسنوات طويلة أن مبارك ضالع في عملية اغتيال عمه، وكان مقربون منه يقولون إنه في ساعات التجلي يبكي لأنه عاجز وليس في مقدوره أن يأخذ بالثأر ممن قتل عمه! وفي عزاء السادات، انتظر "طلعت" حتى يصل مبارك، ليسمعه قوله: " يعملوها ويخيلوا"، وهو مثل مصري دارج قريب الشبه بمثل آخر هو "يقتلون القتيل ويمشون في جنازته".
 
يقول شهود عيان، إن مبارك كان قد تحرك خطوتين للإمام فعاد للخلف، ليقول لشقيق الرئيس الراحل "عصمت السادات"، وكان واقفاً بجوار ابنه: "إن لم تربي ابنك فسوف أربيك أنت وابنك". وقد كان، ففتحت قضية فساد أسرة السادات وقدموا للمحاكمة، وسط فرحة الناس بالعهد الجديد، الذي (لم يحابي) أحداً في الحق. وقد قدمهم للمدعي العام الاشتراكي ولمحكمة القيم، وهناك من "مصمصوا" الشفاه لحال الدنيا، فالسادات أقر قوانين، ومحاكم استثنائية لمحاكمة خصومه فإذا بها تستقبل شقيقه وأبنائه.. يا لسخرية الأقدار!

 

لا أناقش الآن حقيقة الاتهامات، فما يعنيني أن الدوافع لم تكن أصلاً مواجهة الفساد، ومحاسبة المفسدين! قضايا فاسد كثيرة، تم شغل الرأي العام بها، كانت في الحقيقة للتنكيل، وبعض المسؤولين في دولة مبارك اقتدوا به في هذا المضمار!

 
لقد انتقم وزير الإعلام صفوت الشريف، من رئيس قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري، "ممدوح الليثي"، وكانت "عملية نظيفة" ظهر فيها الشريف منحازاً له ليغرقه أكثر في الوحل، وكانت كل جريمة "الليثي"، أنه قال لأحد الأمراء العرب، أن هناك تعديلاً وزارياً قادماً، فاذكرني عن الرئيس مبارك، وعلم بذلك "الشريف" فقيل "يا داهية دقي"!
 
لقد حاورت أطراف هذه القضية في بدايتها، وفي مكتب "الليثي" قلت له: "إن صفوت الشريف وراء ما يحدث"، فانبرى مدافعاً عنه، فلم يصدق، وربما لم يكن يريد أن يصدق، وعندما صدر قرار الإحالة، كان قد أقيل من عمله، وزرته في مكتب خاص لأحاوره في أمر الاتهامات، ووجهت له السؤال عن دور وزير الإعلام (رسميا) للنشر، فدافع أيضاً، فلما صدر حكم أول درجة، اتصل بي هاتفياً وطلب أن نلتقي ليوجه الاتهام صريحا لصفوت الشريف، الذي استدرجه بطريقته للوصول إلى هذه النهاية، فقلت له: لقد سبق السيف العذل!
 
قضية مثيرة، في تفاصيلها، لكن حتى لا يضيع القصد وراء السرد، فننتقل إلى قضية أخرى، فقد دخل وزير المالية محيي الدين الغريب السجن في قضية فساد، حيث أدانته محكمة أمن الدولة العليا، وقضت محكمة النقض بإعادة المحاكمة، فأدين للمرة الثانية، بعد ذلك تصدت النقض لتفصل في الموضوع، ولتقضي ببراءته بعد ثماني سنوات قضاها في السجن!
 
ومشكلة "الغريب" أنه كان على خلاف مع وزير زميل له في مجلس الوزراء، هو "عاطف عبيد"، وعندما عين الأخير رئيسا للحكومة لم يكتف بإخراج محيي الدين الغريب من الوزارة إنما زج به في السجن، وقد خرج منه ليكرمه مبارك باستدعائه لبعض اللقاءات العامة!
وإذا كان محيي الدين الغريب دخل السجن بريئاً بتهمة الفساد، فإن غيره دخله فاسداً، لكن لم يكن الفساد هو الدافع الحقيقي لسجنهم، ولكنها تصفية حسابات!
عندما ألقت الرقابة الإدارية القبض على الذراع الأيمن لوزير الزراعة في عهد مبارك، يوسف والي، بتهمة الفساد، ذهب مسرعاً لمبارك، ليخبره أن سبب القضية يرجع إلى أن رئيس هيئة الرقابة الإدارية اللواء هتلر طنطاوي طلب أراضي في منطقة معينة من يوسف عبد الرحمن، الذي عرض الأمر على "والي"، فطلب منه أن يعتذر له عن تلبية طلبه، وقد أطيح بطنطاوي من رئاسة الرقابة الإدارية، لكن استمرت محاكمة يوسف عبد الرحمن!
 
وهكذا تعلم رجال مبارك منه، الانتقام بورقة الفساد، وفي كل مرة يتم هذا وسط "زفة إعلامية" ويصبح مطلوبا منا أن نثمن ما جرى، ونصفق للسلطة التي تواجه الفساد!
 
وعندما ينقشع الغبار سنقف على الأسباب الحقيقة وراء القبض على "سعاد الخولي" نائب محافظ الإسكندرية، التي لا أستبعد أن تكون مدانة فعلا، لكن الفساد وحده لا يكفي في سلطة العسكر للمحاسبة والعقاب، فمن الواضح أنها داست على "سلك مكشوف"، وهذا أمر لا يعنينا كثيراً.
 
فما يعنينا ألا يُطلب منا أن نشارك في "الزفة"، على أساس أن النظام يحارب الفساد، ذلك بأن الفساد جزء من منظومة حكم العسكر، ولم تكن "الخولي" عندما تم تعيينها نائباً للمحافظة "خضرة الشريفة"، وبالتالي فكل من شارك في تعيينها يستحق أن يكون معها الآن في السجن!

أضف تعليقك