يبدو أننا كنا في شهر أغسطس/ آب، عندما هتف «عم عبدو» البائع «السريح»، في سوق «إمبابة الدولي»: «القرع لما استوى.. قال للخيار يا لوبيا».
ولم يحدد «عم عبدو» دلالة هذا القول، لا سيما وأنه يبدو تشكيكا في القدرة الذهنية لـ «القرع»، عندما «استوى»، واكتمل نموه، وصار جاهزاً للاستخدام، لدرجة أنه لم يميز بين «الخيار» و»اللوبيا»، ومن وجهة نظري المتواضعة، أن هذا الخلل الذهني الذي جعل «القرع» يظن أن «الخيار» الاستراتيجي «لوبيا»، هو شهر أغسطس/ آب، الذي يشهد ارتفاعا في درجات الحرارة في المحروسة، يتحلل على أثرها «الدماغ» وما حوى، حتى يصير «شوربة خضار»، فلا يميز حينئذ القرع بين «الكوسة» و»اللوبيا»!
ولأننا في شهر أغسطس/آب، فمن الطبيعي أن نشهد من العجائب والتصورات الذهنية الخاطئة، ما يليق بالمرحلة التي «يسيح» فيها المتجمد من فعل الشمس الحارقة، فيعلن «ضابط عظيم»، في برنامج تلفزيوني، تديره المندهشة دائما، وبلا ضرورة موضوعية «عزة مصطفى»، أن تجميد الولايات المتحدة الأمريكية لجزء من المساعدات الأمريكية راجع إلى أن الإخوان المسلمين يسيطرون على مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، عندئذ هتفت كما «عم عبدو» البائع بسوق إمبابة الدولي: «تكبير»!
في المثل الشعبي الدارج، يقولون لو كان المتحدث مجنونا فلم يكن المستمع عاقلاً، لكن لأن «عزة مصطفى»، في الوضع مندهشة على مدار الساعة.. مخلوقة هكذا، فضلاً عن أننا في شهر أغسطس/آب، فقد نظرت للجنرال المتحدث على أنه في لحظات تجلي، وأنه يمدها بسبق إعلامي يمكن أن تختم به حياتها المهنية، قبل تقاعدها وانتقالها لدور المسنين!
كان الجنرال «طلعت موسى» في لحظة «إلهام»، ويمر بمرحلة الفتوحات، التي مر بها جنرالات زملاء له من قبل، فأعلن أحدهم أن المرأة المصرية هي أفضل امرأة في العالم لأنها اخترعت نوعين من الطعام، لم تتوصل إليهما البشرية، النوع الأول هو «الحمص بالبيض»، والثاني هو «المسقعة»، قبل أن يُرد عليه بأن «المسقعة» ليست اختراعاً مصرياً بالأساس، وأنه لا وجود لوجبة طعام على ظهر الكرة الأرضية، ومنذ أن توصلت البشرية إلى الطعام وحتى تاريخه، اسمها «الحمص بالبيض»!
قمة الإعجاز العلمي
الجنرال «موسى» هو من سلالة من العباقرة، منها هذا الجنرال الذي توصل بحسه الأدبي إلى أن مقاومة الجفاف تكون بزراعة الموز، وأن الرياح الشمالية الغربية تحول دون الاعتداء الإسرائيلي على مصر، فلو ضربت إسرائيل مصر بقنبلة، فبفضل الرياح الشمالية الغربية، فإن القنبلة سترتد إليها لتبيدها، وهذا قمة الإعجاز العلمي!
وحالة الفتوحات هذه، تنتمي للمرحلة العظيمة، التي تعيشها مصر في كنف حكم العسكر، فوزير البيئة في حكومة عبد الفتاح السيسي، وهو رجل مدني، لكنه جاور القوم، فصار منهم، قال في اتصال هاتفي مع «تامر أمين»، على قناة «الحياة»، إن قطر ترسل سمك القرش بهلول، وبهلول شخصياً، إلى قناة السويس لتعطيل الملاحة بها، وضرب الاقتصاد المصري، ولحظتها حطت الكاميرا على وجه «المذيع الفلتة» فكان متأثراً تأثراً كبيراً بسبب هذه المؤامرة الكبرى على مصر من جانب قطر، التي بلغ بها العداء لمصر حد أن ترسل سمك القرش بهلول، لتعطيل الملاحة، وإزعاج السياح، وضرب الاقتصاد المصري في مقتل، بدلاً من أن ترسل سمك الهامور!
ومن الملاحظ أن هذه التجليات عبر قناة «الحياة» كانت في شهر أغسطس/آب، أيضاً، وفي هذا الشهر من العام الماضي أعلن عبد الفتاح السيسي عن إنشاء وكالة الفضاء المصرية، وإطلاق خمسة أقمار.. قريباً، ومر عام بالتمام والكمال، على هذا الإعلان السيساوي، ولا حس ولا خبر، فلا وكالة أنشئت ولا أقمار أطلقت، ولا أحد أهتم بسؤال السيسي عن وعده هذا، فقد وقف الجميع على أن كلام شهر أغسطس/آب، هو وليد عقل متحلل!
ما علينا، فكما استمع «تامر أمين» باهتمام بالغ، لكلام وزير البيئة، فقد فعلت «عزة مصطفى» الشيء نفسه، مما دفع اللواء «طلعت موسى» أن يذهب بعيداً، فالإخوان لا يسيطرون فقط على البيت الأبيض مثلا، ولكنهم يسيطرون على الكونجرس أيضاً، وهي لحظة ذكرتني بمداخلة لأستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن «نبيل ميخائيل»، على قناة «الجزيرة»، وكان موضوع الحلقة هو تجميد واشنطن لجانب من المساعدات التي تقدمها لمصر.. فقال إن ترامب لا يزال في شهوره الأولى، والموظفين في البيت الأبيض عينهم أوباما وهم من قاموا بهذا الإجراء!
معهد عبده باشا
عندما أستمع لـ «نبيل ميخائيل»، تتدافع في عقلي الباطن هذه الأسئلة: كيف يكون متخصصاً في العلوم السياسية؟ وكيف يكون هذا هو نتاج التعليم الغربي؟ وكيف يعمل أستاذاً في جامعة «جورج واشنطن»؟ وكيف يكون اسمه «نبيل»، وليس سمك القرش «بهلول»!
مستوى من التفكير يؤكد أنه تخرج ويدرس في معهد «عبده باشا» في العباسية، وهو معهد متوسط (سنتان بعد الثانوية العامة). ومن قبل وعلى «الجزيرة مباشر» قال له أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، «توقف عن الميوعة يا نبيل»، فهل هى فقط مجرد ميوعة في الموقف، أم خلل في أنزيمات الحجاب الحاجب، جعلته يتصور أن الإدارة الأمريكية هي كمصلحة الأحوال المدنية في مصر، التي يمكن لموظف فيها أن يتصرف تصرف المالك فيما يملك، وأن يقوم هؤلاء الموظفون، لمجرد أن من عينهم أوباما، باتخاذ قرار على هذا النحو من الأهمية؟!
لا بأس فسيف الإسلام القذافي تخرج في جامعة «جورج تاون»، ولا بأس كذلك فنبيل ميخائيل، كانت مداخلته في شهر أغسطس/آب، وفي اللحظة نفسها التي كان فيها اللواء «طلعت موسي» يطل عبر شاشة تلفزيونية ليقول إن الأمريكيين «بيلعبوا علينا لعبة علشان يضيعونا».. ولا يعلم أنه ضائع وبدون لعب من الأمريكيين، فلديه رئيس، ذهب بالبلاد إلى الضياع، وينتقل من فشل إلى فشل، وانتهى به المطاف إلى «سمسار أراضي»، يفرط في التراب الوطني، لدول الخليج، ولم يجد ما يعالج به الفشل، إلا في أن يتحول إلى قاطع طريق، يصادر أموال الناس «قوة واقتدارا»!
ولأنه في الضياع، فقد نسي احتفال السلطة وأذرعها الإعلامية بفوز ترامب، وتقديمه على أنه معجب بعقلية السيسي، وكان يتطلع لرؤيته، ليبدي إعجاباً بحذائه اللميع!
من حسن حظ اللواء «موسى»، أنه كان في قناة مصرية هي «ستر وغطاء» على من يظهر على شاشتها، بعد العزوف الجماهيري عن مشاهدة هذه القنوات التي تدخل الغش والتدليس على الناس، في حين أن الدكتور «ميخائيل» كان في قناة واسعة المشاهدة، لتصبح الفضيحة «على عينك يا تاجر».
والجنرال محظوظ لأنه كان في حضرة مذيعة في حالة «اندهاش فطري»، وترى أن الجنرالات يخترعون الذرة ويعلمون الأسرار الكونية، أما الدكتور فكان يحاوره «محمد كريشان»، وإذا كان الوقت وطبيعة البرنامج لم تسعفه في الأخذ والرد، فإن مداخلاته كان تعطي إشارة للمشاهد، بأن المتحدث ليس من هنا، ولكنه من هناك، حيث تأثيرات برج أغسطس/ آب، على الأدمغة!
أطفال الشوارع
اللافت، أنه رغم أن الجهبذ اللواء «طلعت موسى»، أرجع أمر تجميد المساعدات إلى الإخوان الذين يسيطرون على مؤسسات صنع القرار في أمريكا، بما فيها الكونجرس، فقد ربط الأمر بمطلب «آية حجازي»، لأنها كتبت مقالاً تطلب فيه ذلك، ولا نعرف علاقة الإخوان بها، وهي المتهمة بأنها استخدمت أطفال الشوارع في إحداث قلاقل ضد حكم الرئيس محمد مرسي، وإن كان السيسي اعتقلها بعد ذلك، وأفرج عنها بناء على أوامر صادرة له من ترامب، فلأسباب ليس لها علاقة بالإخوان، من قريب أو من بعيد، فالسيسي تخلص من معظم من ساندوه في انقلابه، ثم أنها تعمل في مجال يخشى منه، وهو إعادة تأهيل أطفال الشوارع، وكان عنده مشروع مضاد، وهو إلحاقهم بالجيش، لتقنين أوضاعهم القانونية ولاستخدامهم في معاركه الداخلية، فضلا عن أن هذا الأمر خلفه مساعدات خارجية، وهو يريد تأميم مجال المساعدات، فلا تعطى لجمعية أو منظمة حقوقية مالاً من مصادر التمويل مباشرة وإنما ينبغي أن يمر كل هذا من خلاله، ويتصرف هو على أساس أنه مولانا ولي النعم، وهذا سبب الأزمة الطارئة بينه وبين الإدارة الأمريكية مؤخراً، والتي تعرضت لضغوط داخلية بسبب محاباة النظام المصري مع أنه يضيق الخناق على العملاء، والنخبة المتأمركة في الداخل المصري!
بيد أن شهر أغسطس/ آب، له تأثيره السحري، وزاد من مفعوله القرار الأمريكي الذي لم يكن على البال أو على الخاطر، فانبرى أحمد موسى معلناً أنهم يشترون بقيمة المساعدات الأمريكية في مصر «بمب» ليلعب به الأطفال، وهو رد مفحم، ويجعلنا نقف على أننا أمام سلطة مثل «الكحيت» الذي كان يقوم بدوره الفنان «أحمد راتب» في المسلسل الفكاهي «ناس وناس»، ورغم فقره المدقع، وحاله الذي لا يخفي على أحد، فإنه يتصرف على أنه واحد من أثرياء زمانه، فيدهشه حديث الناس عن أزمة الدجاج، في حين أنه لا يأكلها لأنها تمشي حافية القدمين. إنه منطق المتسول القائل: «حسنة وأنا سيدك»!
لاحظ أن أحمد موسى يعمل في القناة ذاتها، التي تعمل بها المندهشة دائماً وأبداً «عزة مصطفى»، التي استضافت العبقري اللواء «طلعت موسى»، وهو ليس مجرد لواء بالجيش، فهو مستشار بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، التي يتخرج فيها كل عباقرة هذا الزمان!
رحم الله «عم عبدو» عندما صرخ بأعلى صوته وهو يقول: «والقرع لما استوى قال للخيار يا لوبيا»!
أضف تعليقك