فطر الله الإنسان على النسيان، وهو شيءُ محمودُ في بعضه، ويحتاج البعض الآخر إلى باعث ومحرك ودافع يدفع الإنسان إلى أن يكون دائم التذكر، وعدم النسيان للأحداث الجثام .
بالباعث نعمة أنعمها الله علينا كي يظل الحدث حيُ في قلوبنا ومشاعرنا، فلا ننساها في خضم الحياة والمواقف والأحداث.
وللأسف الشديد يتميز أعداؤنا في استثمار الباعث في إشعال الكره والحقد في نفوس أبنائه تجاهنا، كما يفعل اليهود اليوم في مناهجهم وإعلامهم وثقافتهم بعرض صور مزيفة لمذابح كاذبة لآبائهم وأجدادهم ، أو لإشعال نار الفتنة بين المسلمين بعضهم البعض، كما فعل أسلافهم من قبل بالمدينة المنورة، عندما ذكروا نفرُ من الأوس والخزرج بيوم بُعاث، حتى كادوا يقتتلون، لولا تدخل رسول الله فنزع فتيل الفتنة.
وأري من فضل الله علينا أنه تم فض رابعة بهذه الصورة الوحشية، التي لم يشهد التاريخ المعاصر مثلها، نعم فقدنا فيها أعز إخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا، وعشنا أحداثاً مريرة ومؤلمة ، ستظل محفورة في قلوبنا ووجداننا ومشاعرنا خالدة في الذاكرة .
لكن أرى أن الله جعل رابعة ومثلها باعثا قوي، كلما حل علينا ذكراها، باعثاً يدفعنا إلي :
* الإصرار علي المضي قدماً في هذا الطريق طريق الحق والعدل والحرية والكرامة، لنلحق بمن سبقونا من أحبابنا في رابعة وغيرها .
*العزم على الأخذ بثأر شهدائنا ومُصابينا برابعة وغيرها، مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالي (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ....) .
*الثبات حتى النصر أو الممات، فرابعة باعث علي الثبات، لأن ما تم فيها لم يتخيله بشر؛ ولكن وجدنا ثبات رابعة، بسلميتها التي أذهلت العالم، والتي سيهون بعدها أي ابتلاء أو محنة .
* الصبر والرضا بما نحن فيه من محنة وتضحية، لأننا رأينا رابعة صابرة راضية محتسبة ما حدث لأبنائها، فرأينا ذلك في ابتسامة الشهداء ورضا ذويهم ، تقبل المصابين بمصابهم .فهذا باعت لنا على الصبر والرضا واحتساب ذاك علي الله، مع اجتهادنا في الأخذ بالأسباب، حتى ننال إحدى الحسنيين إما الشهادة أو النصر .
* المزيد من التضحية والفداء بكل غالٍ و نفيث، فرابعة ضحت بأغلى ما تملك من أرواح أبنائها، وخنق مسجدها ومصاحفها وميدانها، فتضحيتنا مقابل تضحيات رابعة هينة، فما زال لدينا المزيد من البذل والتضحيات والفداء .
* الوفاء بالعهد ، فرابعة وفت بعهدها مع الله ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما ...)، فأقل خلق نتمثله وفائنا لرابعة و شهدائها ومصابيها ، ومن قبل وفائنا لعهدنا مع الله .
رابعة باعثا لنا في الكثير والكثير، لكن هذه قطرة من ندى، و فيض من غيث، لما تبعثه رابعة في نفوسنا ومشاعرنا وجوارحنا وقلوبنا، وستظل رابعة تبعث فينا الأمل والثقة في نصر الله، ونشهد الله أننا علي العهد ثابتون .
داعين الحق تبارك وتعالى بأن يربط علي قلوبنا ويثبت أقدامنا وينصرنا علي القوم المجرمين .
"ويقولون متى هو قل عسي أن يكون قريبا"
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أضف تعليقك