بينما يجتر المصريون الأحزان للتنازل البرلمانى عن جزيرتى تيران وصنافير ، كان من المهم لدى النظام الحاكم إلهاء الناس ببعض الأخبار والأحداث ، ما بين حصار قطر وتفاصيل مسلسلات رمضان ومباريات الكره ، ليخرج علينا محافظ البنك المركزى فى نفس الليلة الحزينة للتنازل عن الجزيرتين وإلقاء القبض على بعض المعارضين للتنازل .
بأن ميزان المدفوعات قد حقق فائضا فائضا من الدولارات بلغ 11 مليار دولار خلال تسعة أشهر ، بفضل تعويم الجنيه ، ولذلك تم رفع الحد الأقصى لتحويلات العملات الأجنبية للخارج ، وشارك رئيس الهيئة الوطنية للصحافة فى الإلهاء ليعلن بنفس الليلة وصول العلاوة المتأخرة للعاملين بالصحف الحكومية وقرب موعد صرفها لهم . تقديرا لموقفهم فى إثبات سعودية الجزيرتين ، وكى ينسوا القبض على ثلاثة من الصحفيين فى أحداث التظاهر من أجل مصرية الجزيرتين ، بخلاف الصحفيين المسجونين منذ حوالى أربعة سنوات .
وشارك رأس النظام فى ذلك بقيامه بالإفطار مع إحدى الأكمنة الشرطية ، فى رسالة واضحة للشرطة كى يقوموا بالمطلوب مع كل من يعترض على التنازل عن الجزيرتين ، الى جانب الإعلان عن موافقة البرلمان على زيادة المعاشات العسكرية بنسبة 15 % من يوليو القادم . أما عما أعلنه محافظ البنك المركزى من تحقيق فائض بميزان المدفوعات - والذى يقيس الفرق بين موارد واستخدمات العملات الأجنبية - بنحو 11 مليار دولار ، خلال تسعة أشهر من يوليو من العام الماضى وحتى مارس من العام الحالى ، فهو أمر مغلوط تماما وبه استخفاف بعقلية المصريين ، حيث تم خلال تلك الشهور التسعة إقتراض أكثر من 18 مليار دولار .
عجز حقيقى 15 مليار دولار بخلاف بيع أذون خزانة وسندات خزانة للأجانب خلال تلك الشهور بنحو 8 مليار دولار ، مما أظهر فائضا بنحو 11 مليار دولار ، تمت ترجمته بزيادة الإحتياطيات من العملات الأجنبية ، أى أنه بدون تلك القروض وبيع أذون الخزانة وسندات الخزانة للأجانب خلال تلك الشهور والبالغ مجملها 26 مليار دولار ، لحقق ميزان المدفوعات عجزا بنحو 15 مليار دولار ، فهل يعد هذا إنجازا أم فشلا ؟ خاصة وأن تلك القروض وبيع الأذون والسندات للأجانب تمثل نسبة 36 % ، من إجمالى الموارد المتحققة من النقد الأجنبى خلال الشهور التسعة والبالغة 73 مليار دولار ، بينما كان النصيب النسبى للصادرات غير البترولية 5ر15 % فقط ، ولتحويلات المصريين العاملين بالخارج 17 % ، وللإستثمار الأجنبى المباشر الذى تهيمن عليه شركات البترول الأجنبية 9 % ، ولإيرادات قناة السويس 5 % ولدخل السياحة 4 % .
ولمن لا يعرف فقد انخفضت قيمة الموارد المتحققة من قناة السويس رغم التفريعة السابعة لها ، ومن خدمات النقل التى تقدمها الموانىء والمطارات المصرية ، ومن السياحة ومن تحويلات المصريين العاملين بالخارج ، ومن حصيلة الخدمات التى تقدمها القنصليات المصرية بالخارج ، خلال تلك الشهور التسعة بالمقارنة لنفس الشهور من العام المالى السابق . وهكذا يستخدم المحافظ القروض وبيع الأذون والسندات للأجانب ، ليغطى على المشهد الحقيقى المتمثل فى تحقيق الميزان التجارى عجزا بلغ 27 مليار دولار خلال الشهور التسعة ، وأن قيمة الفوائد على أذون الخزانة والسندات المباعة للأجانب بلغت خلال الشهور التسعة 825 مليون دولار .
وعندما يتحدث عن زيادة قيمة الصادرات ، فإن قيمة الصادرات البترولية قد زادت بسبب ارتفاع سعر النفط ، وعموما هذه زيادة صورية حيث نشترى غالب إنتاج الأجانب بالداخل لاستهلاكه محليا ، وعندما يتحدث المحافظ عن تراجع قيمة الواردات بنحو 213 مليون دولار فقط خلال الشهور التسعة ، فإن هذا يكشف إخفاق ماتم القيام به من قبل البنك المركزى ووزارة التجارة الخارجية والجمارك للتضييق على المستوردين . أما التباهى بانخفاض مدفوعات السفر للخارج من خلال تراجع قيمة المدفوعات باستخدام بطاقات الدفع الإلكترونية كالفيزا والماستر كارد وغيرها ، فإن النسب الإضافية لسعر الصرف الذى يتم التعامل به ، كان كفيلا بدفع المسافرين لعدم استخدام تلك البطاقات حيث أن سعر الدولار بالسوق السوداء أقل منها .
14 مليار مطلوب سدادها قريبا وفيما يخص قرار إلغاء الحد الأقصى للتحويلات للخارج ، والذى طالب به صندوق النقد الدولى عند الإتفاق عل القرض ، وتحديد شهر يونيو كموعد للتنفيذ كما جاء بوثائق الصندوق ، فالمعنى به هم الأجانب ، والشركات الأجنبية العاملة فى مصر ، أما المستوردين المصريين فلديهم من العوائق بما لا يمكنهم حتى من استخدام الحد الأقصى السابق ، والبالغ مائة الف دولار بخلاف تطبيق قواعد التعرف على هوية العملاء بما بها من تعسف .
ومن الغريب أن تعليمات البنك المركزى بوضع حدود قصوى للأشخاص الإعتبارية – الشركات – التى تعمل فى استيراد المنتجات والسلع غير الأساسية ، عند عشرة آلاف جنيه يوميا ، وبحد أقصى خمسون ألف دولار شهريا للإيداع و30 ألف دولار للسحب ، مازالت قائمة ولم يتم إلغاءها أو تعديلها ، فكيف نقول أن هناك إلغاء للحد الأقصى للتحويلات ؟! والمفارقة أنه فى نفس الوقت الذى يعلن فيه المحافظ عن إلغاء الحد الأقصى للتحويل للخارج ، مازال المصريون لا يستطيعون الحصول حتى على مائة دولار من البنوك العامة ، سوى لأغراض السفر وتقديم جواز السفر والتذكرة والتأشيرة ، حيث تكتفى البنوك بشراء الدولار وعدم بيعه ، بما يجعل لوحات سعر الدولار بالبنوك شكلية .
ويظل تراجع سعر صرف الدولار كما وعد به مسؤلى المركزى والحكومة خلال ثلاثة أشهر من التعويم ، هو المعيار الذى يتم من خلاله الحكم على نجاح التعويم ، حيث ما زال السعر بالبنوك هو ما كان موجودا بالسوق السوداء قبل التعويم ، مع صعوبات تدبيره رغم مرور سبعة أشهر ونصف على التعويم . وهو ما يرجع الى ادراك المتعاملين بالسوق لحقيقة الأمور والأوضاع الحقيقية .
فما يقال عن بلوغ الإحتياطى من النقد الأجنبى بنهاية الشهر الماضى 31 مليار دولار ، يدركون أن غالبه غير مملوك للبنك المركزى ، بدليل وجود عجز بحسابات العملات الأجنبية بالبنوك ، كما يقابله دين خارجى تخطى 75 مليار دولار حاليا . وهناك إلتزامات مطلوب سدادها من ذلك الدين تبلغ 14 مليار دولار خلال النصف الثانى من العام الحالى ، وارتفاع أسعار الغذاء عالميا بما يزيد من فاتورة الاستيراد للسلع الغذائية والتموينية ، هذا بخلاف الدين الداخلى الضخم والمتزايد.
أضف تعليقك