يمارس النظام المصري وأجهزته الأمنية والقضائية حاليًا أقصى أنواع التصرفات التي تنم عن الإصابة بسعار الانتقام والغل، بعيدًا عن أي لجوء للسياسة أو ممارساتها ولو من قبيل الموازنات وحفظ ماء الوجه، حيث الإصرار على تمرير أحكام الإعدام بحق معارضيه المجهز عليهم والمستسلمين سلفًا، والذين لن يؤثر فيهم كثيرًا اللجوء لمثل هذه الأحكام، بعد قرابة 4 سنوات من الضربات القاصمة والملاحقات بأيدي النظام المختلفة.
لا أدري ولا أحد يدري كيف يفكر نظام الجنرال وزبانيته، إنها سياسة اللاسياسة، إعدامات بالجملة أصدرتها المحاكم المصرية طوال 4 سنوات، في قضايا مختلفة تحت ضغط صراع سياسي في الأصل، نُفذت منها 8 في 3 قضايا مختلفة، والآن ينتظر 6 شباب آخرين القتل بعد الحكم النهائي عليهم بالإعدام شنقًا، بلا وجود أي درجة تقاضي أخرى بالإضافة إلى قضية أخرى متهم فيها شخص واحد، وهو ما يعني انتظار تنفيذ حكم إعدام في أي لحظة.
عبد الرحمن محمد عبده عطية بكالوريوس طب جامعة الأزهر، باسم محسن حسن علي الخريبي مهندس بشركة تابعة لهيئة السكة الحديد، أحمد الوليد السيد الشال الطالب بكلية الطب جامعة المنصورة، إبراهيم يحيى عبد الفتاح العزب الطالب بكلية الصيدلة جامعة المنصورة، محمود ممدوح وهبة عطية أبو زيد الطالب بكلية الهندسة جامعة المنصورة، خالد رفعت جاد عسكر طالب الدراسات العليا بكلية العلوم بجامعة المنصورة.
القاسم المشترك بين هذه الأسماء التي سردتها، إلقاء القبض عليهم في فترة زمنية متقاربة في مارس 2014، ثم إخفائهم قسريًا على أيدي أجهزة الأمن المصرية، وتعذيبهم تعذيبًا شديدًا، وفق روايات أسرهم الذين طالبوا بإجراء الكشف عليهم للتحقيق في جرائم تعذيبهم، إلا أن السلطات القضائية تجاهلت هذه المطالب، ليظهروا بعد ذلك فجأة في مقطع مصور من قبل أجهزة الأمن يعترفون بارتكاب جريمة قتل أحد أفراد الشرطة.
ما سُرد أعلاه وصفة لا يُخطئها النظام المصري لإنهاء قضية ما في منتهى السرعة، والإلقاء بها في حجر خصومه من المعارضين، وهو سيناريو يكاد يتفق عليه المئات والآلاف من أسر المعتقلين في السجون المصرية في قضايا مختلفة، تجمعهم تلك الوصفة السحرية، الاعتقال، فالإخفاء، فالتعذيب، فانتزاع اعترافات أمام كاميرا، فقضية، فحكم.
كان القضاء يوازن أحيانًا داخل هذه المعادلة، حتى وإن جار في أحكام السجن التي في النهاية لا تزهق أرواحًا وبها مجال نسبي للتراجع حسب الظرف السياسي، إلا أننا هذه المرة وللمرة الثالثة في التاريخ الأسود لهذا النظام، أمام 6 أرواح تنتظر القتل بلا منظومة عدالة، ولا أي معايير رقابة ومراجعة لتسييس القضايا.
فمحكمة النقض التي من المفترض أنها شديدة التعسف في إخراج أي حكم بالإعدام، استهترت هذه المرة أيضًا مع هذه القضية، وأصدرت حكمًا باتًا غير قابل للطعن في قضية الشاهد الوحيد فيها ضابط بجهاز الأمن الوطني سيئ السمعة حسب أسر الشباب المتهمين، ولا عجب في ذلك إن علمنا أن رئيس المحكمة الذي أصدر هذا الحكم هو أحد الثلاثة المرشحين لدى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء وهو المستشار مجدي أبو العلا الذي قرر فيما يبدو تقديم أوراق اعتماده بقتل 6 أرواح من البشر.
وهنا يذكر محامو الشباب العوار القانوني الذي شاب قضيتهم منذ اليوم الأول بداية من الأحراز الوهمية التي كانت في المحاضر نهاية بشكل خروج الحكم في النقض على سبيل المثال في مسألة الأحراز:
- بندقية خرطوش قديمة ليس لها ذخيرة متوفرة في مصر على الإطلاق.
- ماسورة "صرف صحي" بلا معنى داخل الأحراز
- دراجة بخارية ذات لون رصاصي، في حين أن التحريات قالت أن الدراجة البخارية التي نفذت بها الجريمة "حمراء" اللون، كما أن الطب الشرعي أثبت أن فرد الشرطة قُتل من وضع قائم وهو ما يكذب رواية الدراجة البخارية، وأن فارغ الذخيرة التي قتلت فرد الشرطة خاص بمسدس عيار 9 مم طويل صناعة أجنبية.
النيابة اعتمدت في القضية على كاميرا مراقبة موجودة بالقرب من مسرح الجريمة، وبعد طلب الدفاع تفريغ محتويات الكاميرا، لم توجد أي صورة للشباب وقت وقوع الحادثة، وكذلك الاعترافات التي انتزعت تحت آثار التعذيب أنكرها الشباب جميعًا في النيابة، بعد الإبلاغ بوقائع اختفائهم قسريًا وتعذيبهم لمدد مختلفة وصلت إلى 3 أشهر للاعتراف بهذه الجريمة، وتهديدهم خلالها باغتصاب أمهاتهم وأخواتهم لإجبارهم على الاعتراف.
هذا بالإضافة إلى أنه لا يوجد سلاح تنفيذ محرز في القضية، وقد قامت محكمة النقض بتجاهل كل هذه الدلائل وبدون سماع مرافعة المحامين أو حضور المتهمين أو حضور شهود للإثبات أو شهود للنفي بإصدار تأييد لحكم الإعدام، بحسب المحامين.
كل هذه الشكوك تقضي بإعادة محاكمة هؤلاء الشباب وفق منظومة قضاء طبيعية، لكن ما يحدث في مصر حاليًا أبعد ما يكون عن كلمة "قضاء"، فهي منظومة تنفذ أحكام انتقام النظام لا أكثر ولا أقل. هذه القضية وما مررنا به من تجارب خلال السنوات الماضية تقضي من وجهة نظري بضرورة تعليق أحكام الإعدام أثناء النزاعات السياسية، لئلا تستخدم في تصفية المعارضين تحت ستار مزيف من شبه القانون، حتى تتوافر منظومة قضاء تدور خارج فلك السلطة، ولأن أحكام السجن هي أخف وطأة في الخطأ من أحكام الإعدام.
إننا الآن أمام حالة عجز عام، لا نستطيع أن نفعل شيء لهؤلاء الشباب، سوى أن نكتب عن قضيتهم، والظلم البين الواقع عليهم، ليتردد السؤال كثيرًا أمام أعيننا بلا إجابة ماذا نستطيع أن نفعل لنفتديهم من القتل؟ ربما نناشد أي طرف أو مسؤول أو نافذ شرط أن يتسم بـ "العقل" يستطيع أن يصل لرأس هذا النظام المجنون، ويوصل إليه فكرة تخفيف الأحكام أو إعادة المحاكمة، وليفعل ذلك في إطار سياسة أو توازنات أو تجميل وجه أو تحت أي لافتة شاء، في سبيل إنقاذ هذه الأرواح التي لا نملك لها سوى نداء عاجز أجوف: "أوقفوا قتل شباب المنصورة".
أضف تعليقك