في كارثة جديدة من كوارث حكم العسكر في مصر، بدأ مجلس نواب الانقلاب، أمس الأحد مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي تنازل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بمقتضاها عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وسط إجراءات أمنية مشددة.
ومع بدء لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ببرلمان الانقلاب أمس، مناقشة تستمر ثلاثة أيام، للاتفاقية، أخذ التوجه الرافض للاتفاقية منحى جديدًا سواء على مستوى الأحزاب المعارضة أو على مستوى الرأي العام، وذلك لأن القضاء كان قد حسم الأمر بحكمه بملكية مصر للجزيرتين، حيث يرى الخبراء أن مايحدث هو انتهاك فاضح وانعكاس لانهيار مفهوم دولة القانون والفصل بين السلطات، ذلك أن الاتفاقية التي تناقش هي والعدم سواء بحكم الإدارية العليا.
آراء ضد التنازل
أكد سياسيون وخبراء أن البرلمان غير مؤهل لإصدار قرار بدستورية الاتفاقية من عدمه، وفي السابق وقع 15 حزبا وحركة سياسية معارضة ومئات المصريين بينهم سياسيون وإعلاميون، بيانًا لإعلان رفض مناقشة الاتفاقية في مجلس النواب ، وقالوا إن "التفريط في الأرض المصرية هو بمثابة إعلان واضح لإسقاط شرعية السلطة الحالية والبرلمان"، وحذر الموقعون على البيان من "الإصرار على تمرير الاتفاقية وتسليم الجزر المصرية، لما يمثله ذلك من عدوان على الدستور والقانون، وإهدار لأحكام القضاء وتغول غير مسبوق لإرادة السلطة وأجهزتها على كافة المؤسسات".
وقال الدكتور محمد محسوب أستاذ القانون والوزير السابق، أن أرض جزيرتي تيران وصنافير لم تكن أبدًا أرضا سعودية ولا توجد ورقة واحدة تؤكد ذلك وتنفي مصريتها "ولو كانت توجد ورقة واحدة في هذا الصدد لتم تقديمها أمام المحكمة الإدارية العليا التي هي أعلى محكمة في مصر".
ووصف ما يثار بشأن اتفاقية تيران وصنافير التي وصفها بأم القضايا بأنه مجرد أكاذيب جرائد لم تمر أمام المحكمة الإدارية، مشيرًا إلى أنه حتى عندما حاولت إسرائيل التلاعب بملكية تيران وصنافير لم تذكر ملكية السعودية لها، كما أن القانون الدولي للبحار يؤكد ملكية مصر لأرض الجزيرتين.
وحول بدء مناقشة البرلمان للاتفاقية، قال محسوب إنه لا يمكن للبرلمان فعل ذلك طالما أن القضاء ألغاها، معتبرا ذلك تجاوزا على السلطة القضائية، لكنه قال إنه "لا توجد في مصر حاليا إلا سلطة شخص واحد".
ووصف محسوب التنازل للسعودية عن تيران وصنافير وهي أهم منطقة إستراتيجية في الناحية الشمالية الشرقية للدولة المصرية بأنه كارثة، مشيرًا إلى أن السلطة الحاكمة لم تكشف عن ذلك التنازل وإنما المعارضة هي التي فعلت.
وقال علي أيوب، عضو هيئة الدفاع عن جزيرتي تيران وصنافير، إن تصريح على عبدالعال رئيس برلمان الانقلاب حول عدم حجية أحكام القضاء على مجلس النواب، مخالفة صريحة للدستور والقانون، وضرب بعرض الحائط لمبدأ الفصل بين السلطات، مضيفًا أنه كان يتعين على على عبدالعال أن يعيد الاتفاقية لمجلس الوزراء.
وأضاف أيوب -في مداخلة هاتفية لقناة مكملين- أن مندوب السعودية في مجلس الأمن قرر أن السيادة لمصر وأنها صاحبة المياه الإقليمية وأن بلاده لم تكن لها أي سيادة تاريخية على الجزيرتين، وأنها جزء لا يتجزأ من الأرض المصرية.
وأشار أيوب إلى أن كل الوثائق والمستندات المقدمة للمحكمة أثبتت ملكية مصر للجزيرتين، وأن المحكمة تعرضت لمسألة الملكية وبحثت في كافة الوثائق الرسمية وغير الرسمية وجميع الشهود الذين تمسكت بهم الحكومة كشهود إثبات على سعودية الجزيرتين كان لهم كتب وآراء تؤكد مصرية الجزيرتين، مثل الدكتور مفيد شهاب والدكتور فاروق الباز.
فيما أكد السفير معصوم مرزوق -مساعد وزير الخارجية الأسبق- أن مناقشة برلمان الانقلاب اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير انتهاك واضح للدستور والقانون وازدراء لأحكام القانون المصري.
وأضاف مرزوق -في مداخلة هاتفية لقناة مكملين أمس الأحد- أن نظام عبدالفتاح السيسي سقطت شرعيته لأنه انتهك الدستور والقانون وكل قرارات هذا النظام باطلة.
وأوضح مرزوق أهمية الجزيرتين، مؤكدا أنهما يعدام مفتاحا استراتيجيا لمصر على خليج العقبة، والتخلي عنهما خطوة ضمن مخطط سايكس بيكو الجديد لتصفية القضية الفلسطينية وإدخال السعودية في صفقة كامب ديفيد.
فيما وصف محمد مجدي -المحلل السياسي- إن عقد برلمان الانقلاب جلسات للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافرير بـ"الشيء المخزي"، مشيرًا إلى أن التنازل عن الجزر يعد جريمة خيانة عظمى لنظام عبد الفتاح السيسي الانقلابي، مضيفًا أن تسليم الجزيرتين للسعودية على الورق فقط، وستتولى دولة الاحتلال فرض السيطرة عليهما.
الرفض الشعبي
وعلى المستوى الشعبي شهد الشارع المصري خلال الأيام الأخيرة، حملات عديدة مناهضة لمناقشة البرلمان للاتفاقية، حملت الشعار "دافع عن أرضك"، ودعا الرافضون لمناقشة الاتفاقية، الشعب المصري إلى رفع أعلام البلاد وشعار "تيران وصنافير مصرية" في شرفات المنازل، والمشاركة في فعاليات احتجاجية لرفض الاتفاقية.
وتصدر هاشتاج " تيران وصنافير مصرية "، الذي أطلقه النشطاء لمعارضة تسليم الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية، موقعي التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك خلال الساعات الماضية، بالتزامن مع بدء مجلس نواب الانقلاب مناقشة الاتفاقية، في وقت يبدو فيه موقف المجلس حرجًا في مواجهة غالبية المصريين.
وعلى صعيد مواز، وقع حوالي 500 صحفي مصري على بيان يدعو للاعتصام داخل مقر نقابتهم بالقاهرة، يوم الثلاثاء المقبل، احتجاجًا على ما اسموه بـ"محاولات تمرير اتفاقية تيران وصنافير داخل البرلمان".
وقال الموقعون على البيان، الذي تداوله صحفيون على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، إن الاتفاقية "منعدمة وباطلة بحكم قضائي وبات، ومناقشتها تحت قبة البرلمان إجراء غير دستوري".
إجراءات العسكر لتمرير الخيانة
كشفت تقارير صحفية، وتصريحات نيابية عن تحركات وضغوط مخابراتية على مجلس نواب الانقلاب، لإنهاء صفقة "تيران وصنافير"، كما تالت الأنباء حول أحاديث ولقاءات غاضبة بين نواب ومسؤولين.
وكشف مصدر عسكري مصري أن هناك ضغوطًا كبيرة تعرضت لها بعض القيادات العسكرية الوسيطة، والضباط الرافضين اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر، والتي تنتقل بمقتضاها السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، باعتبار ذلك يمس الشرف العسكري المصري.
وأوضح المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "عددًا ليس بالقليل من الضباط الرافضين لتلك الاتفاقية، تعرضوا لإجراءات عقابية بمستويات مختلفة"، لافتاً إلى أن "عدداً منهم تعرض للتحقيق لعدة أيام في المخابرات العسكرية، وبعضهم تم نقله من الوحدات العسكرية التي يعمل بها".
وأوضح أنه طيلة الأشهر السابقة كثّفت الأمانة العامة لوزارة الدفاع من الندوات التثقيفية لقادة وضباط القوات المسلحة، لإقناعهم بالتنازل عن الجزيرتين للرياض، بزعم سعوديتهما.
أضف تعليقك