تصاعدت حدة الحملة القاسية التي تشنها عدة دول عربية على قطر، والتي تستهدف عزل قطر وحصارها لتقليص وتحجيم دورها الإقليمي، لتوسيع دائرة حصار حماس وجماعة الإخوان المسلمين.
وأعلنت السعودية ومصر والبحرين والإمارات، وانضمت لهم اليمن وليبيا، اليوم الاثنين قطع علاقاتها مع قطر وإغلاق حدودها أمام رحلاتها، بعد إلصاقهم للدوحة تهمة "دعم الإرهاب" وذلك بعد ١٥ يوما على زيارة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي طلب من الدول الإسلامية التحرك بشكل حاسم ضد من وصفهم بـ"داعمي الإرهاب".
حملة شرسة
بدأت الحملة ضد قطر عندما قامت وسائل إعلام عربية تبثّ من الإمارات العربية المتحدة بنشر تصريحات نقلتها عن وكالة الأنباء القطرية "قنا" واعتمدتها أساسًا لحملة تحريض سياسية كبيرة ضد قطر ووسائل الإعلام فيها، وعلى رأسها قناة "الجزيرة".
قطر أكدت، من جهتها، أن وكالة الأنباء القطرية تعرّضت لعملية اختراق وقرصنة وأن التصريحات موضوع الحملة، غير صحيحة، لكنّ وسائل إعلام عربية أصرّت على صحتها وتابعت استدعاء ضيوف "خصوم" "لمناقشتها" بوتيرة محمومة، وقامت بملئ مواقعها الإلكترونية بتفاصيلها، بحيث انقلب الأمر من تغطية إعلامية إلى حملة قاسية ضد توجّهات قطر السياسية عمومًا، واستخدمت فيها وسائل التحريض والتأجيج الذي يستهدف تحجيم تأثير هذه الدولة السياسي والإعلامي ضمن المسار الخليجي واستعداء البلدان والنخب والجمهور العربي عليها.
خطة أميركية - صهيونية
أكد خبراء أن أي متابع للأحداث يستطيع أن يرى كل أركان المؤامرة، فلا يحتاج إلى الكثير من التركيز لينتبه إلى وجود العطب الفاضح في أركانها، وعدم اتساقها مع المنطق أو السياق الواقعي للتاريخ المعاصر، فالتصريح المنسوب لوزير خارجية قطر، على سبيل المثال، يهاجم، دفعة واحدة، السعودية ومصر والإمارات والبحرين والكويت ويعلن سحب سفراء بلاده منها ويطالب بمغادرة سفراء هذه الدول خلال أربع وعشرين ساعة.
وهو أمر خارج تمامًا عن سياق الدبلوماسية القطرية المعروفة بمرونتها الكبيرة وبفتحها خطوطًا سياسية دائمة مع أطراف شديدة التناقض مما جعلها قادرة دائمًا على التوسّط أحيانًا حتى للولايات المتحدة الأمريكية، وتنجح في حلّ خصومات قديمة وفي إنجاز تسويات وصفقات سياسية لا تستطيع دول أخرى تحقيقها.
كما أثبتت تصريحات المتحدث باسم جيش الكيان الصهيوني آفيخاي أدرعي، في الآونة الأخيرة، بأن قطر تقوم بتمويل جماعات إرهابية، قائلًا: "إن جيشه استولى على أموال كانت معدة لتمويل تنظيمات فلسطينية"، أن التخطيط للانقلاب على قطر جاء بأوامر صهيونية وأمريكية، خاصة وأن مبررات السعودية والإمارات ومصر في قطع كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية، مع قطر، جاءت بنفس الزعم، وهو قيام قطر بتمويل جماعات إرهابية تهدد أمن المنطقة.
وعلى الرغم من أن كشف التضليل الذي مارسه المتحدث باسم جيش الصهاينة، بإعلان الأهالي ومحافظ جنين الفلسطينية، أن الأموال عبارة عن "دية" مقابل صلح عشائري في بلدة السيلة الحارثية في جنين، إلا أن الكذبة روج لها الإعلام الأمريكي والمصري، فضلًا عن إعلام الخليج، والتي بدأ العمل عليها خلال شهرين كاملين، تمهيدًا للانقلاب عليها.
لا يمكن، مع ذلك، استبعاد الدور الأميركي، وخصوصًا كونها جاءت بعد القمة الخليجية والعربية الأمريكية مع الرئيس دونالد ترامب، الذي وسّع الاستهداف من الدائرة الكبيرة التي تضم "تنظيم الدولة" "المتّفق على إرهابيته"، وإيران (التي تحتل، عمليّاً، أربع عواصم عربية)… إلى حركة "حماس" الفلسطينية،
وهو أمر وجد قبولاً لدى بعض القادة العرب، كما هو الأمر مع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الذي أشار في خطابه الذي ألقاه على القمة بوضوح إلى ضرورة استهداف "كل المنظمات الإرهابية"، وفي ذهنه طبعًا حربه الضروس ضد " جماعة الإخوان المسلمين" ونظائرها العربية، بما فيها "حماس"، وهو اتجاه يتشارك فيه السيسي وليبراليو الإعلام العربي مع دولة الاحتلال الصهيوني.
الحملة، بهذا المعنى، لا تستهدف قطر وحدها، بل تستهدف القضية الفلسطينية أيضًا، وتعمل، في الوقت نفسه، على تكريس أركان الاستبداد في مصر وغيرها، وتعويم المفهوم الصهيوني للإرهاب.
تجاهل مصر
في أول رد من قطر على قطع العلاقات معها، تجاهلت مصر تمامًا، حيث أعربت وزارة الخارجية القطرية عن أسفها لقرار السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات، مشيرة إلى هذه القرارات "غير مبررة".
وقالت الخارجية القطرية –في البيان الذي أصدرته صباح الاثنين- "نأسف أن الدول الثلاث لم تجد بهذه المرحلة تحديا أهم من التعرض لقطر.. الإجراءات غير مبررة وتقوم على مزاعم وادعاءات لا أساس لها من الصحة".
وأضافت أن "هذه الإجراءات لن تؤثر على سير الحياة الطبيعية للمواطنين والمقيمين". مؤكدة أنها "ستسعى لإفشال محاولات التأثير على المجتمع والاقتصاد القطريين".. وتجاهل البيان تماما قرار السلطات الانقلابية في مصر قطع العلاقات مع الدوحة.
سياسيون : يوم للفرقان
توالت تعليقات السياسيين والنشطاء على واقعة قطع العلاقات، حيث علق مختار الشنقيطي الأستاذ بجامعة حمد بن خليفة بقطر، في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر" قال فيها : " أسوأ ما في #قطع_العلاقات_مع_قطر هو كشفه عن تحكم سفهاء #أبو_ظبي في القرار السياسي في #السعودية التي كان يفترض أن تكون درع الخليج وحصنه الحصين".
وقال الكاتب الفلسطيني سعيد الحاج في تغريدة عبر حسابه على موقع التدوين المصغر "تويتر": "مؤسف ومعيب ومهين، أن تأتي هذه الخطوة في ذكرى النكسة في ٥ يونيو، متى يتعلم العرب؟ قطع العلاقات مع قطر".
وقال الإعلامي المصري بقناة الجزيرة، أحمد منصور في تغريدة على موقع "تويتر" : " الشعب الخليجى الواحد هو الذى يستطيع إفشال مخطط حصار قطر وعزلها لا سيما بعد فشل حملة التضليل الإعلامى وفضيحة تسريبات العتيبة".
وعلق الكاتب والمحلل السياسي محمد الجوادي، بقوله : " يوم للفرقان، والدليل على أن القرار صدر ممن بيده الريموت، أنه صدر في نفس الساعة، التي كانت بداية عدوان اسرائيل، منذ خمسين عاما".
أضف تعليقك